Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 2, Ayat: 114-114)

Tafsir: Maḥāsin at-Taʾwīl

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

{ وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ مَّنَعَ مَسَاجِدَ ٱللَّهِ أَن يُذْكَرَ فِيهَا ٱسْمُهُ وَسَعَىٰ فِي خَرَابِهَآ } إنكار واستبعاد لأن يكون أحد أظلمَ ممن فعل ذلك . ولما وجّه تعالى الذم فيما سبق في حق اليهود والنصارى ، ذيَّله بذم المشركين في قوله : { كَذَلِكَ قَالَ ٱلَّذِينَ لاَ يَعْلَمُونَ } [ البقرة : 113 ] . ثم وجهه بهذه الآية أيضاً للمشركين الذين أخرجوا رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه من مكة ، ومنعوهم من الصلاة في المسجد الحرام ، وصدوهم أيضا عنه ، حين ذهب إليه النبيّ صلى الله عليه وسلم وأصحابه من المدينة عام الحديبية . وكل هذا تخريب للمسجد الحرام ، لأن منع الناس من إقامة شعائر العبادة فيه ، سعى في تخريبه . وأيّ خراب أعظم مما فعلوا ؟ أخرجوا عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه ، واستحوذوا عليه بأصنامهم وأندادهم وشركهم ، كما قال تعالى : { وَمَا لَهُمْ أَلاَّ يُعَذِّبَهُمُ ٱللَّهُ وَهُمْ يَصُدُّونَ عَنِ ٱلْمَسْجِدِ ٱلْحَرَامِ وَمَا كَانُوۤاْ أَوْلِيَآءَهُ إِنْ أَوْلِيَآؤُهُ إِلاَّ ٱلْمُتَّقُونَ وَلَـٰكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ } [ الأنفال : 34 ] . وقال تعالى : { مَا كَانَ لِلْمُشْرِكِينَ أَن يَعْمُرُواْ مَسَٰجِدَ ٱللهِ شَٰهِدِينَ عَلَىٰ أَنْفُسِهِمْ بِالْكُفْرِ أُوْلَئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَٰلُهُمْ وَفِي ٱلنَّارِ هُمْ خَٰلِدُونَ * إِنَّمَا يَعْمُرُ مَسَٰجِدَ ٱللَّهِ مَنْ ءَامَنَ بِٱللَّهِ وَٱلْيَوْمِ ٱلآخِرِ وَأَقَامَ ٱلصَّلَٰوةَ وَءَاتَىٰ ٱلزَّكَٰوةَ وَلَمْ يَخْشَ إِلاَّ ٱللَّهَ فَعَسَىٰ أُوْلَـٰئِكَ أَن يَكُونُواْ مِنَ ٱلْمُهْتَدِينَ } [ التوبة : 17 - 18 ] . وقال تعالى : { هُمُ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ وَصَدُّوكُمْ عَنِ ٱلْمَسْجِدِ ٱلْحَرَامِ وَٱلْهَدْيَ مَعْكُوفاً أَن يَبْلُغَ مَحِلَّهُ } [ الفتح : 25 ] فإذا كان من آمن بالله واليوم الآخر الخ مصدوداً عنه ، مطروداً منه فأيّ خراب له أعظم من ذلك . والعمارة إحياء المكان وشغله بما وضع له . وليس المراد بعمارته ، زخرفته وإقامة صورته فقط ، إنما عمارته بذكر الله فيه وإقامة شرعه فيه ورفعة عن الدنس والشرك ، وإنما أوقع المنع على المساجد ، وإن كان الممنوع هو الناس لما أن المآل عائد لها . ولا يقال : كيف قيل مساجد والمراد المسجد الحرام فقط ؟ لأنه لا بأس أن يجيء الحكم عاما وإن كان السبب خاصاً ، كما تقول : لمن آذى صالحاً واحداً : ومن أظلم ممن آذى الصالحين ؟ وكما قال تعالى : { وَيْلٌ لِكُلِّ هُمَزَةٍ لُمَزَةٍ } [ الهمزة : 1 ] والمنزول فيه واحد . وقوله : { أُوْلَـٰئِكَ مَا كَانَ لَهُمْ أَن يَدْخُلُوهَآ إِلاَّ خَآئِفِينَ } هذا بشارة من الله للمسلمين بأنه سيظهرهم على المسجد الحرام ، ويذلّ لهم المشركين ، حتى لا يدخل المسجدَ الحرامَ واحدٌ منهم إلا خائفا ، يخاف أن يؤخذ فيعاقب ، أو يقتل إن لم يُسلم ، وقد أنجز الله صدق هذا الوعد فمنعهم من دخول المسجد الحرام . ونادى فيهم عام حجّ أبو بكر رضي الله عنه " ألا لا يحجن بعد العام مشرك " . فحج النبي صلى الله عليه وسلم من العام الثاني ظاهراً على المسجد الحرام ، لا يجترئ أحد من المشركين أن يحج ويدخل المسجد الحرام . وهذا هو الخزي لهم في الدنيا ، المشار إليه بقوله تعالى : { لَّهُمْ فِي ٱلدُّنْيَا خِزْيٌ } لأن الجزاء من جنس العمل ، فكما صدوا المؤمنين صُدُّوا عنه { وَلَهُمْ فِي ٱلآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ } وهو عذاب النار لما انتهكوا من حرمة البيت وامتهنوه ، من نصب الأصنام حوله ، ودعاء غير الله ، والطواف به عرياً ، وغير ذلك من أفاعيلهم التي يكرهها الله ورسوله . وفي الآية وجه آخر وهو أن الآية في ذم اليهود ، تبعاً للسابق واللاحق ، وما جنوه بكفرهم على بيت المقدس من خرابه وتسليط عدوّهم عليهم حتى خربه ودمر مدينتهم وقتل وسبى منهم وأسرهم وبقوا في الأسر البابليّ سبعين سنة ؛ كل ذلك كان برفضهم كتاب الله والعمل بشريعته . وفي قوله تعالى : { أُوْلَـٰئِكَ مَا كَانَ لَهُمْ أَن يَدْخُلُوهَآ إِلاَّ خَآئِفِينَ } إشارة إلى رجوعهم إليه بعد الأسر على تخوف من العدوّ ومذلة لصقت بهم ، وهو وجه وجيه ، لأن لفظ { سَعَىٰ } ، يرشد إلى ذلك . كما أن مفهومها يشعر بذم القائمين على الخراب بالأوْلى وهم النصارى ، حينما تمكنت سلطتهم انتقاماً من أعدائهم اليهود . روى ابن جرير عن مجاهد ، قال في الآية : هم النصارى كانوا يطرحون في بيت المقدس الأذى ، ويمنعون الناس أن يصلوا فيه . وقال قتادة : حَمَلَهم بُغْضُ اليهود على أن أعانوا بختنصر البابليّ المجوسيّ على تخريب بيت المقدس ، وتدل على أن أماكن العبادة تصان وتحترم ، لأنها المدرسة العامة التي تتلى فيها الحكم والأحكام والإرشاد إلى سبل السلام . وقد ورد الحديث بالاستعاذة من خزي الدنيا وعذاب الآخرة ، فيما رواه الإمام أحمد عن بُسْر بن أرطاة قال : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يدعو : " اللهم أحسن عاقبتنا في الأمور كلها ، وَأجِرْنا من خزي الدنيا وعذاب الآخرة " . قال الحافظ ابن كثير : وهذا حديث حسن ، وليس في شيء من الكتب الستة ، وليس لصحابيّه ، وهو بُسْر بن أرطاة ( ويقال ابن أبي أرطاة ) حديث سواه وسوى حديث : " لا تقطع الأيدي في الغزو " .