Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 2, Ayat: 159-159)

Tafsir: Maḥāsin at-Taʾwīl

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

{ إِنَّ ٱلَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَآ أَنزَلْنَا مِنَ ٱلْبَيِّنَاتِ وَٱلْهُدَىٰ مِن بَعْدِ مَا بَيَّنَّاهُ لِلنَّاسِ فِي ٱلْكِتَابِ أُولَـٰئِكَ يَلعَنُهُمُ ٱللَّهُ وَيَلْعَنُهُمُ ٱللاَّعِنُونَ } . لما تقدم أنّ بعض أهل الكتاب يكتمون ما يعلمون من هذا الحقّ ، وختم ما أتبعه له بصفتي الشكر والعلم - ترغيباً وترهيباً - بأنه يشكر من فَعَل ما شرعه له ، ويعلم من أخفاه وإنْ دقّ فعله وبالغَ في كتمانه ، انعطف الكلام إلى تبكيت المنافقين منهم . ولعنهم على كتمانهم ما يعلمون من الحق . إذ كانت هذه كلّها في الحقيقة قِصَصَهم . والخروجُ إلى غيرها إنّما هو استطراد على الأسلوب الحكيم المبين ، ؛ لأنّ هذا الكتاب هدي ؛ وكان السياق مرشداً إلى أنّ التقدير بعد : { شَاكِرٌ عَلِيمٌ } [ البقرة : 158 ] : ومن أحدث شراً فإنّ الله عليم قدير ، فوصل به استئنافاً قوله - على وجه يعمهم وغيرهم - { إِنَّ ٱلَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَآ أَنزَلْنَا … } الآية ، بياناً لجزائهم ، فانتظمت هذه الآية في ختمها لهذا الخطاب بما مضى في أوّله من قوله : { وَلاَ تَلْبِسُواْ ٱلْحَقَّ بِٱلْبَٰطِلِ وَتَكْتُمُواْ ٱلْحَقَّ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ } [ البقرة : 42 ] . فكانت البداية خاصة ، وكان الختم عاماً ، ليكون ما في كتاب لله أمراً منطبقاً - على نحوٍ ما كان أمر محمد صلى الله عليه وسلم وَمَنَ تقدّمه من الرسل خلقاً - لينطبق الأمر على الخلق بدءاً وختماً انطباقاً واحداً ، فعمّ كلّ كاتم من الأولين والآخرين . نقله البقاعيّ . واللعن : الطرد والإبعاد عن الخير ، هذا من الله تعالى ؛ ومن الخلق : السبّ والشتم ، والدعاء على الملعون ، ومشاقّته ، ومخالفته ، مع السخط عليه ، والبراءة منه . والمراد بقوله : { ٱللاَّعِنُونَ } كلّ من يصح منه لعن ، وقد بيّنه بَعْدُ قوله تعالى : { أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ لَعْنَةُ ٱللَّهِ وَٱلْمَلاۤئِكَةِ وَٱلنَّاسِ أَجْمَعِينَ } [ البقرة : 161 ] . وقد دلت الآية على أنّ هذا الكتمان من الكبائر ، لأنه تعالى أوجب فيه اللعن ، لأنّ ما يتصل بالدين ويحتاج إليه المكلف لا يجوز أن يُكتمَ ، ومن كتَمَه فقد عظمت خطيئته ، وبلغ لِلَعْنِهِ من الشقاوة والخسران الغايةَ التي لا يدرك كنهها … ! وقد وردت أحاديث كثيرة في النهي عن كتمان العلم . وفي الصحيحين عن أبي هريرة قال : لولا آيتان أنزلهما الله في كتابه ما حدّثت شيئاً أبداً { إِنَّ ٱلَّذِينَ يَكْتُمُونَ … } [ البقرة : 159 ] الآية ، وقوله : { وَإِذْ أَخَذَ ٱللَّهُ مِيثَاقَ ٱلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلْكِتَابَ لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ وَلاَ تَكْتُمُونَهُ … } [ آل عِمْرَان : 187 ] الآية . ثم استثنى تعالى من هؤلاء من تاب إليه فقال : { إِلاَّ ٱلَّذِينَ تَابُواْ وَأَصْلَحُواْ وَبَيَّنُواْ فَأُوْلَـئِكَ أَتُوبُ عَلَيْهِمْ … } .