Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 2, Ayat: 17-17)
Tafsir: Maḥāsin at-Taʾwīl
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
ولما جاء بحقيقة صفتهم ، عقبها بضرب المثل - زيادةً في الكشف ، وتتميماً للبيان - فقال تعالى : { مَثَلُهُمْ } أي : مثالهم في نفاقهم ، وحالهم فيه { كَمَثَلِ ٱلَّذِي ٱسْتَوْقَدَ } أي أوقد { نَاراً } في ظلمة - والتنكير للتعظيم - { فَلَمَّآ أَضَآءَتْ } أي : أنارت النار { مَا حَوْلَهُ } فأبصر ، واستدفأ ، وأمن مما يخافه { ذَهَبَ ٱللَّهُ بِنُورِهِمْ } أي : أطفأ نارهم - التي هي مدار نورهم - فبقوا في ظلمة وخوف - وجمع الضمير مراعاة لمعنى الذي كقوله : { وَخُضْتُمْ كَٱلَّذِي خَاضُوۤاْ } [ التوبة : 69 ] . { وَتَرَكَهُمْ فِي ظُلُمَٰتٍ لاَّ يُبْصِرُونَ } ما حولهم - متحيرين عن الطريق ، خائفين - فكذلك هؤلاء استضاؤوا قليلاً بالانتفاع بالكلمة المجراة على ألسنتهم ، حيث أَمِنُوا على أنفسهم وما يتبعها ، ثم وراء استضاءتهم بنور هذه الكلمة - ظلمة النفاق - التي ترمي بهم إلى ظلمة سخط الله ، وظلمة العقاب السرمد ؛ ومحصوله : أنهم انتفعوا بهذه الكلمة مدة حياتهم القليلة ، ثم قطعه الله تعالى بالموت . ونُقل - عن كثير من السلف - تفسير آخر ، وهو : تمثيل إيمانهم أولاً ، ثم كفرهم ثانياً . فيكون إذهاب النور في الدنيا ، كما قال تعالى : { ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ آمَنُواْ ثُمَّ كَفَرُوا } [ المنافقون : 3 ] الآية ، فلما آمنوا أضاء الإيمان في قلوبهم - كما أضاءت النار لهؤلاء الذين استوقدوا ناراً - ثم لما كفروا ، ذهب الله بنورهم : انتزعه - كما ذهب بضوء هذه النار - وعلى هذا فالتمثيل مرتبط بما قبله ، فإنهم - لما وُصِفوا بأنهم اشتروا الضلالة بالهدى - مثّل هداهم - الذي باعوه بالنار المضيئة ما حول المستوقد - والضلالةَ - التي اشتروها وطبع بها على قلوبهم - بذهاب الله بنورهم ، وتركه إياهم في الظلمات . قال الزمخشري في الكشف : ولضرب العرب الأمثال ، واستحضار العلماء المُثُل والنظائر شأنٌ ليس بالخفي في إبراز خبيات المعاني ، ورفع الأستار عن الحقائق ، حتى تريك المتخيَّل في صورة المحقق ، والمتوهَّم في معرض المتيقَّن ، والغائب كأنه مشاهُد - وفيه تبكيتٌ للخصم الألد ، وقَمْعٌ لسورة الجامح الأبِي . ولأمرٍ ما ، أكثر الله - في كتابه المبين ، وفي سار كتبه - أمثالَهُ ، وفشت في كلام رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وكلام الأنبياء والحكماء . قال الله تعالى : { وَتِلْكَ ٱلأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ وَمَا يَعْقِلُهَآ إِلاَّ ٱلْعَالِمُونَ } [ العنكبوت : 43 ] . والمثَلُ : في أصل كلامهم بمعنى : المثل وهو النظير . يقال : مِثْل ، ومَثَل ، ومثيل - كشِبه وشَبَه وشَبِيه - ثم قيل للقول السائر الممثل مضربه بمورده : مَثَل . ولم يضربوا مثلاً ، ولا رأوه أهلاً للتسيير ولا جديراً بالتداول والقبول ، إلا قولاً فيه غرابة من بعض الوجوه . ومن ثَمَّ حوفظ عليه ، وحُمِيَ من التغيير . فإنه - لو غُيِّرَ - لربما انتفت الدلالة على تلك الغرابة . وقيل : إن المحافظة على المثل إنما هي بسبب كونه استعارة . فوجب لذلك أن يكون هو بعينه لفظ المشبه به . فإن وقع تغيير ، لم يكن مثلا ، بل مأخوذاً منه ، وإشارة إليه - كما في قولك : بالصيف ضيعتَ اللبنَ . بالتذكير . وقال بعضهم : قد استعير المثل للحال ، أو القصة ، أو الصِّفة - إذا كان لها شأن ، وفيها غرابة - كأنه قيل : حالهم العجيبة الشأن كحال الذي استوقد ناراً . وكذلك قوله : { مَّثَلُ ٱلْجَنَّةِ ٱلَّتِي وُعِدَ ٱلْمُتَّقُونَ } [ الرعد : 35 ] أي : فيما قصصنا عليك من العجائب - قصة الجنة العجيبة الشأن ، ثم أخذ في بيان عجائبها { وَلِلَّهِ ٱلْمَثَلُ ٱلأَعْلَىٰ } [ النحل : 60 ] أي : الوصف الذي له شأن من العظمة والجلالة . { مَثَلُهُمْ فِي ٱلتَّوْرَاةِ } [ الفتح : 29 ] أي : صفتهم وشأنهم المتعجب منه . ولما في المثل من معنى الغرابة قالوا : فلان مثلة في الخير والشر ، فاشتقوا منه صفةً للعجيب الشأن .