Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 2, Ayat: 198-198)
Tafsir: Maḥāsin at-Taʾwīl
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
{ لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَن تَبْتَغُواْ فَضْلاً مِّن رَّبِّكُمْ } قال الراغب : كانت العرب تتحاشى من التجارة في الحجّ ، حتى إنّهم كانوا يتجنبون المبايعة إذا دخل العشر ، وحتى سمّوا مَن تولّى متجراً في الحجّ : الداج دون الحاج ؛ فأباح الله ذلك ؛ وعلى إباحة ذلك ، دلّ قوله : { وَأَذِّن فِي ٱلنَّاسِ بِٱلْحَجِّ … } [ الحج : 27 ] إلى قوله : { لِّيَشْهَدُواْ مَنَافِعَ لَهُمْ } [ الحج : 28 ] ، وقوله : { وَآخَرُونَ يَضْرِبُونَ فِي ٱلأَرْضِ يَبْتَغُونَ مِن فَضْلِ ٱللَّهِ } [ المزمل : 20 ] . وقد روى البخاري عن ابن عباس قال : كان ذو المجاز وعكاظ متجر الناس في الجاهلية ، فلما جاء الإسلام كأنّهم كرهوا ذلك حتى نزلت : { لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَن تَبْتَغُواْ فَضْلاً مِّن رَّبِّكُمْ } في مواسم الحج . ففي الآية الترخيص لمن حجّ في التجارة ونحوها من الأعمال التي يحصل بها شيء من الرزق - وهو المراد بالفضل هنا - ومنه قوله تعالى : { فَٱنتَشِرُواْ فِي ٱلأَرْضِ وَٱبْتَغُواْ مِن فَضْلِ ٱللَّهِ } [ الجمعة : 10 ] . أي : لا إثم عليكم في أن تبتغوا في مواسم الحجّ رزقاً ونفعاً وهو الربح في التجارة مع سفركم لتأدية ما افترضه عليكم من الحجّ … ! { فَإِذَآ أَفَضْتُم مِّنْ عَرَفَٰتٍ } - أي : دفعتم منها - { فَٱذْكُرُواْ ٱللَّهَ عِندَ ٱلْمَشْعَرِ ٱلْحَرَامِ } أي : بالتلبية ، والتهليل ، والتكبير ، والثناء ، والدعوات . والمشعر الحرام : موضع بالمزدلفة ، ميمه مفتوحة وقد تكسر ، وقد وَهَمَ من ظنه جبيلاً بها ، سمّى به لأنه معلم للعبادة وموضع لها - كذا في " القاموس وشرحه " . ونقل الفخر عن الواحديّ في البسيط : إنّ المشعر الحرام هو المزدلفة ، سمّاها الله تعالى بذلك ، لأنّ الصلاة والمقام والمبيت به ، والدعاء عنده ، واستقر به الفخر قال : لأن الفاء في قوله : { فَٱذْكُرُواْ ٱللَّهَ … } إلخ تدلّ على أنّ الذكر عند المشعر الحرام يحصل عقيب الإفاضة من عرفات ، وما ذاك إلا بالبيتوتة بالمزدلفة . انتهى . قال البيضاوي : يؤيد الأول ما روى جابر : أنه صلى الله عليه وسلم لما صلّى الفجر - يعني بالمزدلفة بغلس - ركب ناقته حتى أتى المشعر الحرام . أي : فإنه يدلّ على تغاير المزدلفة والمشعر الحرام لمكان مسيره صلى الله عليه وسلم منها إلى المشعر الحرام . ! وإنما قال , يؤيد لأنه يجوز أنّ يؤول المشعر الحرام في الحديث بالجبل ، إمّا بحذف المضاف ، أو بتسمية الجزء باسم الكلّ - أفاده السيلكوتي . قال ابن القيم في زاد المعاد في سياق حجته صلى الله عليه وسلم : فلما غربت الشمس واستحكم غروبها أفاض من عرفة بالسكينة من طريق المأزمين ، ثم جعل يسير العنق - وهو ضرب من السير ليس بالسريع ولا البطيء - فإذا وجد فجوةً - وهو المتسع - نصّ سيره - أي : رفعه فوق ذلك - وكان يلبي في مسيره ذلك لا يقطع التلبية ، حتى أتى المزدلفة فتوضأ ، ثم أمر المؤذن بالأذان فأذّن ، ثمّ أقام فصلّى المغرب قبل حطّ الرحال وتبريك الجمال ؛ فلمّا حطّوا رحالهم أمر فأقيمت الصلاة ثم صلى العشاء الآخرة بإقامة بلا أذان ، ولم يصلّ بينهما شيئاً ؛ فلما طلع الفجر صلاها في أول الوقت ، ثم ركب حتى أتى موقفه عند المشعر الحرام ، فاستقبل القبلة وأخذ في الدعاء والتضرّع والتكبير والتهليل والذكر حتى أسفر جدّاً ، وذلك قبل طلوع الشمس . انتهى المقصود منه . قال بعض الأئمة : ما أحقّ الذكر عند المشعر الحرام بأن يكون واجباً أو نسكاً ، لأنّه مع كونه مفعولاً له صلى الله عليه وسلم ، ومندرجاً تحت قوله : " خذوا عني مناسككم " ، فيه أيضاً النصّ القرآنيّ بصيغة الأمر : { فَٱذْكُرُواْ ٱللَّهَ عِندَ ٱلْمَشْعَرِ ٱلْحَرَامِ } . { وَٱذْكُرُوهُ كَمَا هَدَٰكُمْ } بدلائل الكتاب ، أي : اذكروه ذكراً حسناً كما هداكم هدايةً حسنة ! فمفاد التشبيه التسوية في الحسن والكمال ، كما تقول : اخدمه كما أكرمك ، يعني : لا تتقاصر خدمتك عن إكرامه . وفيه تنبيه لهم على ما أنعم الله به عليهم من الهداية والبيان والإرشاد إلى مشاعر الحجّ ! { وَإِن كُنْتُمْ مِّن قَبْلِهِ } أي : من قبل الهدى : { لَمِنَ ٱلضَّآلِّينَ } الجاهلين بالإيمان والطاعة . وإن هي المخففة ، واللام هي الفارقة .