Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 2, Ayat: 200-200)

Tafsir: Maḥāsin at-Taʾwīl

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

{ فَإِذَا قَضَيْتُمْ مَّنَاسِكَكُمْ } أي : فرغتم من أعمال الحجّ ونفرتم : { فَٱذْكُرُواْ ٱللَّهَ كَذِكْرِكُمْ آبَآءَكُمْ أَوْ أَشَدَّ ذِكْراً } أي : فأكثروا ذكر الله ، وابذلوا جهدكم في الثناء عليه وشرح آلائه ونعمائه ، كما تفعلون في ذكر آبائكم ومفاخرهم وأيامهم بعد قضاء مناسككم وقد أخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس قال : كان أهل الجاهلية يقفون في الموسم فيقول الرجل منهم : كان أبي يطعم ويحمل الحمالات ويحمل الديات … ! ليس لهم ذكر غير فعال آبائهم ، فأنزل هذه الآية . وفيها إشعارٌ بتحويل القوم عما اعتادوه ، وحثٌ على إفراد ذكره جلّ شأنه . ثمّ أرشد تعالى إلى دعائه - بعد كثرة ذكره - فإنه مظنة الإجابة . وذمَّ من لا يسأله إلا في أمر دنياه وهو معرض على أُخراه ، فقال : { فَمِنَ ٱلنَّاسِ } أي : الذين نسوا قدر الآخرة وكانت الدنيا أكبر همهم { مَن يَقُولُ } أي : في ذكره { رَبَّنَآ آتِنَا } أي : مرغوباتنا { فِي ٱلدُّنْيَا } لا نطلب غيرها { وَمَا لَهُ فِي ٱلآخِرَةِ مِنْ خَلاَقٍ } أي : نصيب وحظ لأنه استوفى نصيبه في الدنيا بتخصيص دعائه به . فالجملة إخبار منه تعالى ببيان حاله في الآخرة ؛ أو المعنى : ما له في الآخرة من طلب خلاق . فهو بيان لحاله في الدنيا وتصريح بما علم ضمناً من قوله : { آتِنَا فِي ٱلدُّنْيَا } ؛ أو تأكيد لكون همّه مقصوراً على الدنيا . وقوله : { فِي ٱلآخِرَةِ } حينئذ متعلّق بـ { خَلاَقٍ } حال منه ؛ وتضمن هذا الذمّ والتنفير عن التشبه بمن هو كذلك . قال سعيد بن جبير عن ابن عباس : كان قوم من الأعراب يجيؤون إلى الموقف فيقولون : اللهمّ ! اجعله عامَ غيثٍ وعامَ خِصب وعام ولاد حسن . ! لا يذكرون من أمر الآخرة شيئاً - فنزل فيهم ذلك . وهؤلاء الذين حكى الله عنهم - أنهم يقتصرون في الدعاء على طلب الدنيا - قال قوم : هم مشركو العرب . وكونهم لا خلاق لهم في الآخرة ظاهر . إذْ لا نصيب لهم فيها من كرامة ونعيم وثواب . وقال قوم : هؤلاء قد يكونون مؤمنين ولكنهم يسألون الله لدنياهم لا لأخراهم ، ويكون سؤالهم هذا من جملة الذنوب ، حيث سألوا الله تعالى - في أعظم المواقف وأشرف المشاهد - حطامَ الدنيا وعرضَها الفاني ، معرضين عن سؤال النعيم الدائم في الآخرة … ! ومعنى كونهم لا خلاق لهم في الآخرة ، أي : إلا أن يتوبوا ، أوّ إلا أن يعفو الله عنه ، أو لا خلاق له في الآخرة كخلاق من سأل المولى لآخرته ، والله أعلم . كذا يستفاد من الرازي .