Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 2, Ayat: 205-205)
Tafsir: Maḥāsin at-Taʾwīl
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
{ وَإِذَا تَوَلَّىٰ } : انصرف عمّن خدعه بكلامه - { سَعَىٰ } - مشى - { فِي ٱلأَرْضِ لِيُفْسِدَ فِيِهَا } بإدخال الشبه في قلوب المسلمين ، وباستخراج الحيل في تقوية الكفر ، وهذا المعنى يسمىّ فساداً ، كقوله تعالى - حكايةً عن قوم فرعون : { أَتَذَرُ مُوسَىٰ وَقَوْمَهُ لِيُفْسِدُواْ فِي ٱلأَرْضِ } [ الأعراف : 127 ] . أي : يردّوا قومك عن دينهم ويفسدوا عليهم شرعتهم ؛ وسمّى هذا المعنى فساداً لأنه يوقع الاختلاف بين الناس ، ويفرق كلمتهم ، ويؤدي إلى أن يتبرأ بعضهم من بعض ، فتنقطع الأرحام ، وتنسفك الدماء . وهذا كثير في القرآن المجيد . { وَيُهْلِكَ ٱلْحَرْثَ } أي : الزرع . { وَٱلنَّسْلَ } أي : المواشي الناتجة . قال بعض المحققين : إنّ إهلاك الحرث والنسل كناية عن الإيذاء الشديد ، وإن التعبير به عن ذلك صار من قبيل المثل ؛ فالمعنى : يؤذي مسترسلاً في إفساده ولو أدّى إلى إهلاكِ الحرث والنسل . { وَٱللَّهُ لاَ يُحِبُّ ٱلفَسَادَ } أي : لا يرضى فعله . قال الراغب : إن قيل : كيف حكم تعالى بأنه لا يحب الفساد وهو مفسد للأشياء ؟ قيل : الإفساد في الحقيقة : إخراج الشيء عن حالةٍ محمودة لا لغرضٍ صحيح ، وذلك غير موجود في فعل الله تعالى ، ولا هو آمرٌ به ، ولا محبٌ له ، وما يُرَى من فعله ويظهر بظاهره فساداً فهو بالإضافة إلينا واعتبارنا له كذلك . فأمّا بالنظر الإلهي فكله صلاح ، ولهذا قال بعض الحكماء : يا من إفساده إصلاح ! أي : ما نظنه إفساداً - لقصور نظرنا ومعرفتنا - فهو في الحقيقة إصلاح ؛ وجملة الأمر : إنّ الإنسان هو زبدة هذا العالم وما سواه مخلوق لأجله ، ولهذا قال تعالى : { هُوَ ٱلَّذِي خَلَقَ لَكُمْ مَّا فِي ٱلأَرْضِ } [ البقرة : 29 ] . والمقصد من الإنسان سوقه إلى كماله الذي رسخ له ، فإذن : إهلاك ما أمر بإهلاكه ، لإصلاح الإنسان وما منه أسباب حياته الأبدية . ولشرح هذه الجملة موضع آخر .