Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 2, Ayat: 220-220)

Tafsir: Maḥāsin at-Taʾwīl

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

{ فِي ٱلدُّنْيَا } أنها فانية - والآخرة - أنها باقية ، وفي أمورهما لتصلحوها ولا تتحملوا مفسداتهما ، فلا تتركوا اللذائذ الباقية للذائذ الفانية . { وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ ٱلْيَتَامَىٰ } أخرج أبو داود والنسائي والحاكم وغيرهم ، عن ابن عباس قال : لما نزل قوله تعالى : { وَلاَ تَقْرَبُواْ مَالَ ٱلْيَتِيمِ إِلاَّ بِٱلَّتِي هِيَ أَحْسَنُ } [ الأنعام : 152 ] . وقوله تعالى : { إِنَّ ٱلَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ ٱلْيَتَٰمَىٰ ظُلْماً إِنَّمَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ نَاراً وَسَيَصْلَوْنَ سَعِيراً } [ النساء : 10 ] انطلق من كان عنده يتيم فعزل طعامَه من طعامه وشرابَه من شرابه ، فجعل يفضل له الشيء من طعامه وشرابه ، فيُحبس له حتى يأكله أو يفسد ، فاشتدّ ذلك عليهم . فذكروا ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم ، فأنزل الله تعالى : { وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ ٱلْيَتَامَىٰ … } الآية فخلطوا طعامهم بطعامهم وشرابهم بشرابهم . وقوله تعالى : { قُلْ إِصْلاَحٌ لَّهُمْ خَيْرٌ } أي : مداخلتهم على وجه الإصلاح لهم ولأموالهم خيرٌ من مجانبتهم . وإنما أقيم غاية المداخلة - أعني الإصلاح - مقامها ، تنبيهاً على أنّ المأمور به مداخلة يكون ترتب الإصلاح عليها ظاهراً . كأنها عين الإصلاح { وَإِنْ تُخَالِطُوهُمْ } تعاشروهم ولم تجانبوهم { فَإِخْوَانُكُمْ } فهم إخوانكم في الدين - الذي هو أقوى من العلاقة النسبية . ومن حقوق الإخوة : المخالطة بالإصلاح والنفع . قال الأصبهانيّ : وإذا كان هذا في أموال اليتامى واسعاً ، كان في غيرهم أوسع . وهو أصل شاهد لما يفعله الرفاق في الأسفار ، يخرجون النفقات بالسوية ، ويتباينون في قلة المطعم وكثرته . { وَٱللَّهُ يَعْلَمُ ٱلْمُفْسِدَ } لأموالهم { مِنَ ٱلْمُصْلِحِ } لها ، فيجازيه على حسب مداخلته ، فاحذروه ولا تتحرَّوا غير الإصلاح { وَلَوْ شَآءَ ٱللَّهُ لأَعْنَتَكُمْ } لَحَمَلَكم على العنت - وهو المشقة - وأحرجكم ، فلم يطلق لكم مداخلتهم ، ولا يمنعه من ذلك شيء . { إِنَّ ٱللَّهَ عَزِيزٌ } أي : غالب على ما أراد { حَكِيمٌ } أي : فاعل لأفعاله حسبما تقتضيه الحكمة الداعية إلى بناء التكليف على أساس الطاقة . هذا ، وقد حمل القاضي قوله تعالى : { قُلْ إِصْلاَحٌ لَّهُمْ خَيْرٌ } على جهات المصالح والخيرات العائدة إلى الوليّ واليتيم . قال رحمه الله : هذا الكلام يجمع النظر في صلاح مصالح اليتيم بالتقويم والتأديب وغيرهما لكي ينشأ على علمٍ وأدب وفضل ، لأنّ هذا الصنع أعظم تأثيراً فيه من إصلاح حاله بالتجارة . ويدخل فيه أيضاً إصلاح ماله كي لا تأكله النفقة من جهة التجارة . ويدخل فيه أيضاً معنى قوله تعالى : { وَآتُواْ ٱلْيَتَامَىٰ أَمْوَالَهُمْ وَلاَ تَتَبَدَّلُواْ ٱلْخَبِيثَ بِٱلطَّيِّبِ } [ النساء : 2 ] . ومعنى قوله : { خَيْرٌ } يتناول حال المتكفل . أي : هذا العمل خير له من أن يكون مقصراً في حق اليتيم . ويتناول حال اليتيم أيضاً . أي : هذا العمل خير لليتيم من حيث أنّه يتضمّن صلاح نفسه وصلاح ماله . فهذه الكلمة جامعة لجميع مصالح اليتيم والوليّ . وروى البخاري عنه سهل بن سعد رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " أنا وكافل اليتيم في الجنّة هكذا " وأشار بالسبابة والوسطى وفرج بينهما . وروى نحوه مسلم أيضاً في صحيحه .