Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 2, Ayat: 235-235)

Tafsir: Maḥāsin at-Taʾwīl

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

{ وَلاَ جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا عَرَّضْتُمْ بِهِ مِنْ خِطْبَةِ ٱلنِّسَآءِ } أي : لا حرج عليكم أيها الخاطبون في التعريض بخطبتكم النساء المتوفى عنهن أزواجهن قبل انقضاء العدة لتتزوجوهن بعد انقضائها . والتعريض : إفهام المقصود بما لم يوضع له ، حقيقةً ولا مجازاً . كأن يقال لها : إنك جميلة أو صالحة ، أو ربّ راغب فيك ، أو من يجد مثلك . والخطبة - بالكسر - طلب المرأة . { أَوْ } - فيما - { أَكْنَنتُمْ } أي : أضمرتم من نكاحهنّ { فِيۤ أَنْفُسِكُمْ } أي : قلوبكم وإن كان حقه التحريم فضلاً عن التعريض باللسان ، لكن أباحه الله لكم إذ { عَلِمَ ٱللَّهُ أَنَّكُمْ سَتَذْكُرُونَهُنَّ } أي : لا تصبرون عن النطق برغبتكم فيهن فرخص لكم في التعريض دون التصريح ، وفيه طرف من التوبيخ على قلة التثبت كقوله تعالى : { عَلِمَ ٱللَّهُ أَنَّكُمْ كُنتُمْ تَخْتانُونَ أَنْفُسَكُمْ } [ البقرة : 187 ] . { وَلَـٰكِن لاَّ تُوَاعِدُوهُنَّ سِرّاً } هذا الاستدراك من قوله : { فِيمَا عَرَّضْتُمْ بِهِ } . و { سِرّاً } مفعول به لأنه بمعنى النكاح . أي : لا تواعدوهن نكاحاً . أو هو بمعنى ضد الجهر والإعلان فيكون مصدراً في موضع الحال تقديره مستخفين بذلك والمفعول محذوف تقديره لا تواعدوهن النكاح سراً ، أو صفة لمصدر محذوف أي : مواعدة سراً ، أو التقدير في سر فيكون ظرفاً . وإنما نهى عن ذلك لأن المواعدة بذكر الجماع والرفَث بين الأجنبيّ والأجنبية غير جائز إجماعاً . كالمواعدة بينهما على وجه السرّ . إذْ لا تنفك ظاهراً عن أن تكون مواعدة بشيء من المنكرات . قال ابن عطية : أجمعت الأمة على أن الكلام مع المعتدة بما هو رفث من ذكر جماعٍ أو تحريض عليه لا يجوز . وقال أيضاً : أجمعت الأمة على كراهة المواعدة في العدة للمرأة في نفسها ، وللأب في ابنته البكر ، وللسيد في أمَتِهِ . وقوله تعالى : { إِلاَّ أَن تَقُولُواْ قَوْلاً مَّعْرُوفاً } ، أي : لا يستحيي منه عند أحدٍ من الناس . فآل الأمر إلى أن المعنى : لا تواعدوهن إلا ما لا يستحيى من ذكره فيُسر وهو التعريض ؛ فَنَصَّتْ هذه الآية على تحريم التصريح . بعد إفهام الآية الأولى لذلك ، اهتماماً به لما للنفس من الداعية إليه - أفاده البقاعيّ . وقال الرازي : لما أذِنَ تعالى في أول الآية بالتعريض ثم نهى عن المسارّة معها دفعاً للريبة والغيبة ، استثنى عنه أن يساررها بالقول المعروف . وذلك أن يعدها في السرّ بالإحسان إليها ، والاهتمام بشأنها ، والتكفّل بمصالحها حتى يصير ذكر هذه الأشياء الجميلة مؤكداً لذلك التعريض ، والله أعلم . تنبيه ما قدمناه من أنّ قوله تعالى : { وَلَـٰكِن … } إلخ استدراك من قوله : { فِيمَا عَرَّضْتُمْ } قاله أبو البقاء . وجعل الزمخشري المستدرك محذوفاً دلّ عليه { سَتَذْكُرُونَهُنَّ } أي : فاذكروهن ولكن لا تواعدوهن سرّاً . قال الناصر : وقويت دلالة هذا المذكور على ما حذف ، لأن المعتاد في مثل هذه الصيغة ورود الإباحة عقيبها . ونظير هذا النظم قوله تعالى : { عَلِمَ ٱللَّهُ أَنَّكُمْ كُنتُمْ تَخْتانُونَ أَنْفُسَكُمْ فَتَابَ عَلَيْكُمْ وَعَفَا عَنْكُمْ فَٱلآنَ بَٰشِرُوهُنَّ } [ البقرة : 187 ] الآية . ولهذا الحذف سرّ - والله أعلم - وهو أنّه اجتنب لأن الإباحة لم تنسحب على الذكر مطلقاً . بل اختصت بوجه واحدٍ من وجوهه . وذلك الوجه المباح عسر التمييز عمّا لم يبح . فذكرت مستثناة بقوله : { إِلاَّ أَن تَقُولُواْ قَوْلاً مَّعْرُوفاً } تنبيهاً على أن المحل ضيق والأمر فيه عسر ، والأصل فيه الحظر ، ولا كذلك الوطء في زمن ليل الصوم فإنه أبيح مطلقاً غير مقيد ؛ فلذلك صَدَرَ الكلام بالإباحة والتوسعة . وجاء النهي عن مباشرة المعتكفة في المسجد تِلواً للإباحة وتبعاً في الذكر ؛ لأنها حالة فاذّة . والمنع فيها لم يكن لأجل الصوم ولكن الأمر يتعلق به من حيث المصاحب ، وهو الاعتكاف ، فتفطّن لهذا السرّ فإنه من غرائب النكت . { وَلاَ تَعْزِمُوۤاْ عُقْدَةَ ٱلنِّكَاحِ حَتَّىٰ يَبْلُغَ ٱلْكِتَابُ أَجَلَهُ } العُقدة بالضم من النكاح وكل شيء من البيع ونحوه ، وجوبُه . قال الفارسيّ : هو من الشدّ والربط . وقال الرازيّ : أصل العقد الشدّ . وسميت العهود والأنكحة عقوداً لأنها تعقد كما يعقد الحبل . وذكر العزم مبالغة في النهي عن عقد النكاح ، لأن العزم على الفعل يتقدمه . فإذا نهى عنه كان عن الفعل أنهى . ومعناه : ولا تعزموا وجوب النكاح لأن القصد إليه حال العدة يفيد مزيد تحريك من الجانبين بحيث لا يطاق معه الصبر إلى انقضاء العدّة . وقوله : { حَتَّىٰ يَبْلُغَ ٱلْكِتَابُ أَجَلَهُ } أي : العدّة المكتوبة المفروضة آخرها . { وَٱعْلَمُوۤاْ أَنَّ ٱللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِيۤ أَنْفُسِكُمْ } من الميل إليهنّ قبل الأجل { فَٱحْذَرُوهُ وَٱعْلَمُوۤاْ أَنَّ ٱللَّهَ غَفُورٌ } يغفر ذلك الميل إذ لم يتعدّ العزم عقدة النكاح { حَلِيمٌ } لا يعاجل بالعقوبة ، فلا تستدلّوا بتأخيرها على أن ما نهيتم عنه من العزم ليس مما يستتبع المؤاخذة … !