Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 2, Ayat: 253-253)

Tafsir: Maḥāsin at-Taʾwīl

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

{ تِلْكَ ٱلرُّسُلُ } إشارة إلى من ذكر منهم في هذه السورة أو المعلومة للنبيّ صلى الله عليه وسلم { فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَىٰ بَعْضٍ } بأن خص بمنقبة ليست لغيره { مِّنْهُمْ مَّن كَلَّمَ ٱللَّهُ } تفصيل التفضيل أي منهم من فضله الله بأن كلمه من غير سفير وهو موسى عليه السلام { وَرَفَعَ بَعْضَهُمْ دَرَجَاتٍ } كإبراهيم اتخذه الله خليلاً . وداود آتاه الله النبوة والخلافة والملك . قال الزمخشري : أي ومنهم من رفعه على سائر الأنبياء ، فكان بعد تفاوتهم في الفضل أفضل منهم بدرجات كثيرة . والظاهر : أنه أراد محمداً صلى الله عليه وسلم لأنه هو المفضل عليهم حيث أُوتي ما لم يؤتَه أحد من الآيات المتكاثرة المرتقية إلى ألف آية أو أكثر . ولو لم يؤت إلا القرآن وحده لكفى به فضلاً منيفاً على سائر ما أوتي الأنبياء ، لأنه المعجزة الباقية على وجه الدهر دون سائر المعجزات . وفي هذا الإبهام من تفخيم فضله وإعلاء قدره ما لا يخفى ، لما فيه من الشهادة على أنه العلَم الذي لا يشبّه والمتميز الذي لا يلتبس ؛ ويقال للرجل : من فعل هذا ؟ فيقول : أحدكم أو بعضكم . تريد به الذي تعورف واشتهر بنحوه من الأفعال ، فيكون أفخم من التصريح به وأتوه بصاحبه . وسئل الحطيئة عن أشعر الناس ؟ فذكر زهيراً والنابغة ثم قال : ولو شئت لذكرت الثالث . أراد نفسه . ولو قال : ولو شئت لذكرت نفسي ، لم يخفم أمره . ثم قال : ويجوز أن يريد إبراهيم ومحمداً وغيرهما من أولي العزم . { وَآتَيْنَا عِيسَى ٱبْنَ مَرْيَمَ ٱلْبَيِّنَاتِ } كإبراء الأكمه والأبرص وإحياء الموتى { وَأَيَّدْنَاهُ بِرُوحِ ٱلْقُدُسِ } سبق الكلام فيه . قال الزمخشري : فإن قلت : فلِم خص موسى وعيسى من بين الأنبياء بالذكر ؟ قلت : لما أوتيا من الآيات العظيمة والمعجزات الباهرة . ولقد بين الله وجه التفضيل حيث جعل التكليم من الفضل وهو آية من الآيات . فلما كان هذان النبيان قد أوتيا ما أوتيا من عظام الآيات ، خُصَّا بالذكر في باب التفضيل . وهذا دليل بيّن أن من زيد تفضيلاً بالآيات منهم فقد فضل على غيره . ولما كان نبينا صلى الله عليه وسلم هو الذي أوتى منها ما لم يؤت أحد في كثرتها وعظمها ، كان هو المشهود له بإحراز قصبات الفضل غير مدافع . { وَلَوْ شَآءَ ٱللَّهُ مَا ٱقْتَتَلَ ٱلَّذِينَ مِن بَعْدِهِم } أي : من بعد الرسل لاختلافهم في الدين وتشعب مذاهبهم وتكفير بعضهم بعضاً { مِّن بَعْدِ مَا جَآءَتْهُمُ ٱلْبَيِّنَاتُ وَلَـٰكِنِ ٱخْتَلَفُواْ فَمِنْهُمْ مَّنْ آمَنَ وَمِنْهُمْ مَّن كَفَرَ وَلَوْ شَآءَ ٱللَّهُ مَا ٱقْتَتَلُواْ وَلَـٰكِنَّ ٱللَّهَ يَفْعَلُ مَا يُرِيدُ } . قال الزمخشري : كرره للتأكيد . قال الناصر في حواشيه : ووراء التأكيد سر أخص منه . وهو أن العرب متى ثبت أول كلامهم على مقصد ثم اعترضها مقصد آخر وأرادت الرجوع إلى الأول ، قصدت ذكره إما بتلك العبارة أو بقريب منها وذلك عندهم مهيع من الفصاحة مسلوك . وفي كتاب الله تعالى مواضع في هذا المعنى منها قوله تعالى : { مَن كَفَرَ بِٱللَّهِ مِن بَعْدِ إيمَانِهِ إِلاَّ مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِٱلإِيمَانِ وَلَـٰكِن مَّن شَرَحَ بِالْكُفْرِ صَدْراً } [ النحل : 106 ] ، ومنها قوله تعالى : { وَلَوْلاَ رِجَالٌ مُّؤْمِنُونَ وَنِسَآءٌ مُّؤْمِنَاتٌ لَّمْ تَعْلَمُوهُمْ أَن تَطَئُوهُمْ فَتُصِيبَكُمْ مِّنْهُمْ مَّعَرَّةٌ بِغَيْرِ عِلْمٍ لِّيُدْخِلَ ٱللَّهُ فِي رَحْمَتِهِ مَن يَشَآءُ لَوْ تَزَيَّلُواْ لَعَذَّبْنَا ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ مِنْهُمْ } [ الفتح : 25 ] . وهذه الآية من هذا النمط . لما صدر الكلام بأن اقتتالهم كان على وفق المشيئة ، ثم طال الكلامُ وأريد بيان أن مشيئة الله تعالى كما نفذت في هذا الأمر الخاص وهو اقتتال هؤلاء ، فهي نافذة في كل فعل واقع . وهو المعنى المعبر عنه في قوله : { وَلَـٰكِنَّ ٱللَّهَ يَفْعَلُ مَا يُرِيدُ } طرأ ذكر تعلق المشيئة بالاقتتال لتلوه عموم تعلق المشيئة ، لتناسب الكلام ويعرف كل بشكله ، فهذا سر ينشرح له الصدر ، ويرتاح له السر ، والله الموفق .