Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 2, Ayat: 256-256)

Tafsir: Maḥāsin at-Taʾwīl

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

{ لاَ إِكْرَاهَ فِي ٱلدِّينِ قَد تَّبَيَّنَ ٱلرُّشْدُ مِنَ ٱلْغَيِّ } قال ابن كثير : أي : لا تكرهوا أحداً على الدخول في دين الإسلام فإنه بيّن واضح جليّ دلائله وبراهينه . لا يحتاج إلى أن يكره أحد على الدخول فيه . بل من هداه الله للإسلام وشرح صدره ونوّر بصيرته دخل فيه على بيّنة . ومن عمى قلبه فإنه لا يفيده الدخول فيه مكرهاً مقسوراً : فالنفي بمعنى النهي . وهو ما ذهب إليه في تأويل الآية كثير . وذهب آخرون إلى أنه خبر محض . أي أنه تعالى ما بنى أمر الإيمان على الإجبار والقسر وإنما بناه على التمكين والاختيار . قال القفال - موضحاً له - لما بيّن تعالى دلائل التوحيد بياناً شافياً قاطعاً للعذر ، أخبر بعد ذلك أنه لم يبق بعد إيضاح هذه الدلائل للكافر عذر في الإقامة على الكفر ، إلا أن يُقسر على الإيمان ويجبر عليه . وذلك مما لا يجوز في دار الدنيا التي هي دار الابتلاء ، إذ في القهر والإكراه على الدين بطلان معنى الابتلاء والامتحان . ونظير هذه الآية قوله تعالى : { فَمَن شَآءَ فَلْيُؤْمِن وَمَن شَآءَ فَلْيَكْفُرْ } [ الكهف : 29 ] . وقوله تعالى : { وَلَوْ شَآءَ رَبُّكَ لآمَنَ مَن فِي ٱلأَرْضِ كُلُّهُمْ جَمِيعاً أَفَأَنتَ تُكْرِهُ ٱلنَّاسَ حَتَّىٰ يَكُونُواْ مُؤْمِنِينَ } [ يونس : 99 ] . وقوله تعالى : { لَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَّفْسَكَ أَلاَّ يَكُونُواْ مُؤْمِنِينَ * إِن نَّشَأْ نُنَزِّلْ عَلَيْهِمْ مِّنَ ٱلسَّمَآءِ آيَةً فَظَلَّتْ أَعْنَاقُهُمْ لَهَا خَاضِعِينَ } [ الشعراء : 3 - 4 ] . تنبيه عُلم من هذه الآية أن سيف الجهاد المشروع في الإسلام والذي لا يبطله عدل عادل ولا جور جائر لم يستعمل للإكراه على الدخول في الدين . ولكن لحماية الدعوة إلى الدين والإذعان لسلطانه وحكمه العدل . { فَمَنْ يَكْفُرْ بِٱلطَّاغُوتِ } أي : بالشيطان . أي بما يدعو إليه من عبادة الأوثان { وَيْؤْمِن بِٱللَّهِ فَقَدِ ٱسْتَمْسَكَ بِٱلْعُرْوَةِ ٱلْوُثْقَىٰ لاَ ٱنفِصَامَ لَهَا } أي : فقد تمسك من الدين بأقوى سبب . وشبه ذلك بالعروة القوية التي لا تنفصم . هي في نفسها محكمة مبرمة قوية . وربطها قويّ شديد . وجملة { لاَ ٱنفِصَامَ لَهَا } إما استئناف مقرر لما قبلها ، وإما حال من ( العروة ) والعامل { ٱسْتَمْسَكَ } أو من الضمير المستتر في { ٱلْوُثْقَىٰ } وإما صلة لموصول محذوف أي التي . نقله الرازيّ . وقد روى الشيخان عن عبد الله بن سلام قال : " رأيت رؤيا على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم . رأيت كأني في روضة خضراء وسطها عمود حديد أسفله في الأرض وأعلاه في السماء . في أعلاه عروة . فقيل لي : اصعد عليه . فقلت : لا أستطيع . فجاءني منصف - أي وصيف - فرفع ثيابي من خلفي فقال : اصعد فصعدت حتى أخذت بالعروة . فقال : استمسك بالعروة ، فاستيقظت وإنها لفي يدي . فأتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقصصتها عليه . فقال : " أما الروضة : فروضة الإسلام . وأما العمود : فعمود الإسلام . وأما العروة : فهي العروة الوثقى . أنت على الإسلام حتى تموت " { وَٱللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ } اعتراض تذييليّ حامل على الإيمان ، رادع عن الكفر والنفاق ، بما فيه من الوعد والوعيد .