Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 2, Ayat: 259-259)

Tafsir: Maḥāsin at-Taʾwīl

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

{ أَوْ كَٱلَّذِي مَرَّ عَلَىٰ قَرْيَةٍ } استشهاد على ما ذكر تعالى من ولايته للمؤمنين وتقريرٌ له ، معطوف على الموصول السابق . وإيثار أو الفارقة على الواو الجامعة للاحتراز عن توهم اتحاد المستشهد عليه من أول الأمر . والكاف إما اسمية جيء بها للتنبيه على تعدد الشواهد وعدم انحصارها فيما ذكر ، وإما زائدة . والمعنى : أو لم تر إلى مثل الذي . أو إلى الذي مرّ على قرية . كيف هداه الله تعالى وأخرجه من ظلمة الاشتباه إلى نور العيان والشهود { وَهِيَ خَاوِيَةٌ عَلَىٰ عُرُوشِهَا } خالية ساقطة حيطانها على سقوفها { قَالَ أَنَّىٰ يُحْيِـي هَـٰذِهِ ٱللَّهُ بَعْدَ مَوْتِهَا } أي : كيف يعمر الله هذه القرية بعد خرابها . فكان منه كالوقوف في الظلمات . فأراه الدليل على الإحياء الحقيقيّ في نفسه مبالغة في قلع الشبهة ، إخراجاً له منها إلى النور { فَأَمَاتَهُ ٱللَّهُ مِئَةَ عَامٍ } ليندرس بالكلية { ثُمَّ بَعَثَهُ } أي : أحياه ببعث روحه إلى بدنه وبعض أجزائه إلى بعض بعد تفرقها . { قَالَ } الله له { كَمْ لَبِثْتَ } أي : مكثت ميتاً { قَالَ لَبِثْتُ يَوْماً أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ } قاله بناء على التقريب والتخمين . أو استقصاراً لمدة لبثه { قَالَ } الله { بَل لَّبِثْتَ مِئَةَ عَامٍ } وإنما سأله تعالى ليظهر له عجزه عن الإحاطة بشؤونه ، وأن إحياءه ليس بعد مدة يسيرة ، ربما يتوهم أنه هيّن في الجملة ، بل بعد مدة طويلة ، وينحسم به مادة استبعاده بالمرة . ويطلع في تضاعيفه على أمر آخر من بدائع آثار قدرته تعالى . وهو إبقاء الغذاء المتسارع إلى الفساد بالطبع ، على ما كان عليه دهراً طويلاً ، من غير تغيّر مّا ، كما قال سبحانه { فَٱنْظُرْ } لتعاين أمراً آخر من دلائل قدرتنا { إِلَىٰ طَعَامِكَ وَشَرَابِكَ لَمْ يَتَسَنَّهْ } أي : لم يتغير في هذه المدة المتطاولة مع تداعيه إلى الفساد . والهاء يجوز أن تكون هاء سكت زيدت في الوقف . وأصل الفعل على هذا فيه وجهان : أحدهما : يتسنن من قوله : { حَمَإٍ مَّسْنُونٍ } [ الحجر : 26 ، 28 ، 33 ] . فلما اجتمعت ثلاث نونات قلبت الأخيرة ياء كما قلبت في تظنيت ثم أبدلت الياء ألفاً ثم حذفت للجزم . والثاني : أن يكون أصل الألف واواً من قولهم : أسنى يسنى إذا مضت عليه السنون . وأصل سنة سنوة لقولهم : سنوات أي لم تمر عليه السنون . والمعنى على التشبيه . أي كأنه لم تمر عليه المائة سنة لبقائه على حاله وعدم تغيره . ويجوز أن تكون الهاء أصلاً ويكون اشتقاقه من السنة بناء على أن لام السنة هاء وأصلها سنهة . لقولهم سنهاء وعاملته مسانهة . فعلى هذا تثبت الهاء وصلاً ووقفاً . إذ الفعل مجزوم بسكونها . وعلى الأول تثبت في الوقف دون الوصل . ومن أثبتها في الوصل أجراه مجرى الوقف . وقد قرأ حمزة والكسائيّ بحذف الهاء وصلاً وإثباتها وقفاً والباقون بإثباتها وصلاً ووقفاً . فإن قيل : ما فاعل يتسنى ؟ قيل : يحتمل أن يكون ضمير الطعام والشراب لاحتياج كل واحد منهما إلى الآخر ، فكانا بمنزلة شيء واحد . فلذلك أفرد الضمير في الفعل . ويحتمل أن يكون جعل الضمير لـ ( ذلك ) . ذلك يكنى به عن الواحد والاثنين والجمع بلفظ واحد . ويحتمل أن يكون الضمير للشراب فقط لأنه أقرب . وثَمَّ جملة أخرى حذفت لدلالة هذه عليها . والتقدير : وانظر إلى طعامك لم يتسنه ، وإلى شرابك لم يتسنه . ويجوز أن يكون أفرد في موضع التثنية كما قال الشاعر : @ فَكَأَنَّ في العينين حبَّ قَرَنْفُلٍِ أو سنبلاً كُحِلَتْ به فَانْهَلَّتِ @@ أشار لذلك أبو البقاء { وَٱنْظُرْ إِلَىٰ حِمَارِكَ } كيف هو . فرآه صار عظاماً نخرة { وَلِنَجْعَلَكَ آيَةً لِلنَّاسِ } عطف على مقدر متعلق بفعل مقدر قبله بطريق الاستئناف مقرر لمضمون ما سبق . أي فعلنا ما فعلنا ، من إحيائك بعد ما ذكر ، لتعاين ما استبعدته من الإحياء بعد دهر طويل . ولنجعلك آية للناس على البعث . أو متعلق بفعل مقدر بعده . أي : ولنجعلك آية للناس فعلنا ما فعلنا . { وَٱنْظُرْ إِلَى ٱلعِظَامِ } أي : عظام الحمار لتشاهد كيفية الإحياء { كَيْفَ نُنْشِزُهَا } قرئ بالزاي أي : نرفع بعضها على بعض ونركبه عليه . من النشز وهو المرتفع من الأرض . وفيها على هذا وجهان : ضم النون وكسر الشين من أنشزته وفتح النون وضم الشين من نشزته وهما لغتان . وقرئ بالراء وفيها وجهان : الأول : فتح النون وضم الشين وماضيه نشر فيكون إما مطاوع أنشر الله الميت فنشر ، وحينئذ نشر بمعنى أنشر . فاللازم والمتعدى بلفظ واحد . وإما من النشر الذي هو ضد الطيّ أي يبسطها بالإحياء . والثاني ضم النون وكسر الشين أي نحييها كقوله : { ثُمَّ إِذَا شَآءَ أَنشَرَهُ } [ عبس : 22 ] . قاله أبو البقاء . { ثُمَّ نَكْسُوهَا لَحْماً } أي نسترها به { فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ } أي اتضح له إعادته مع طعامه وشرابه وحماره ، بعد التلف الكلّي ، وظهر له كيفية الإحياء { قَالَ أَعْلَمُ أَنَّ ٱللَّهَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ } فخرج من الظلمات إلى النور .