Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 2, Ayat: 271-271)
Tafsir: Maḥāsin at-Taʾwīl
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
{ إِن تُبْدُواْ ٱلصَّدَقَاتِ فَنِعِمَّا هِيَ } نوع تفصيل لبعض ما أجمل في الشرطية . وبيان له . ولذلك ترك العطف بينهما . أي إن تظهروا الصدقات فنعم شيئاً إبداؤها ؛ لأنه يرفع التهمة ويدعو له كل من يسمع من محتاج وغيره ويفيد اتباع الناس إياه { وَإِن تُخْفُوهَا } أي : تُسِرّوها مخافة الرياء ، وستراً لعار الفقراء : { وَتُؤْتُوهَا ٱلْفُقَرَآءَ فَهُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ } أي : من العلانية ؛ لأنه أبعد عن الرياء وأقرب إلى الإخلاص الذي هو روح العبادات { وَيُكَفِّرُ عَنكُم مِّن سَيِّئَاتِكُمْ } ذنوبكم بقدر صدقاتكم { وَٱللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ } ترغيب في الإسرار . وفي الصحيحين عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " سبعة يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله : الإمام العادل ، وشاب نشأ في عبادة ربه ، ورجل قلبه معلق في المساجد ، ورجلان تحابا في الله اجتمعا عليه وتفرقا عليه ، ورجل طلبته امرأة ذات منصب وجمال فقال إني أخاف الله رب العالمين . ورجل تصدق أخفى حتى لا تعلم شماله ما تنفق يمينه ، ورجل ذكر الله خاليا ففاضت عيناه " وروى الإمام أحمد وابن أبي حاتم عن أبي ذر قال : " قلت يا رسول الله أيّ الصدقة أفضل ؟ قال : " سرُّ إلى فقير ، أو جهدٌ من مقل " " . لطائف قال أبو البقاء في قوله تعالى : { فَنِعِمَّا هِيَ } نِعْمَ فعل جامد لا يكون فيه مستقبل . وأصله نَعِمَ ، كعلم . وقد جاء على ذلك في الشعر . إلا أنهم سكنوا العين ونقلوا حركتها إلى النون ليكون دليلاً على الأصل ، ومنهم من يترك النون مفتوحة على الأصل ، ومنهم من يكسر النون والعين إتباعاً . وبكلّ قد قرئ . وفاعل نعم مضمر وما بمعنى شيء . ثم قال : " ونكفر عنكم " يقرأ بالنون على إسناد الفعل إلى الله عز وجل ويقرأ بالياء على هذا التقدير أيضاً وعلى تقدير آخر وهو أن يكون الفاعل ضمير الإخفاء . ويقرأ " وتكفر " بالتاء على أن الفعل مسند إلى ضمير الصدقة . ويقرأ بجزم الراء عطفاً على موضع { فَهُوَ خَيْرٌ } بالرفع على إضمار مبتدأ أي ونحن أو هي . و " من " هنا زائدة عند الأخفش فيكون { سَيِّئَاتِكُمْ } المفعول . وعند سيبويه : المفعول محذوف أي شيئاً من سيئاتكم . والسيئة فيْعِلة . وعينها واو لأنها من : ساء فأصلها سيوئة فأبدلت الواو ياء وأدغمت الأولى فيها . انتهى . وفي غيث النفع : قرأ " فنعما " الشامي . والإخوان بفتح النون . والباقون بالكسر . وقرأ قالون والبصريّ وشعبة بإسكان العين واختار كثير لهم إخفاء كسرة العين يريدون الاختلاس فراراً من الجمع بين الساكنين ، والباقون بكسر العين ، واتفقوا على تشديد الميم ، ثم ناقش الشاطبي في كونه لم يذكر لقالون ومن عطف عليه إلا الإخفاء ، مع أنه روى عنهم الإسكان المحض أيضاً . ثم قال : وقد صرح المحقق في نشره أن الداني روى الوجهين جميعاً . ثم قال : والإسكان آثر والإخفاء أقيس وهو قراءة أبي جعفر والحسن . وغاية ما فيه الجمع بين الساكنين وليس أولهما حرف مد ولين وهو جائز قراءةً ولغةَ . ولا عبرة بمن أنكره ولو كان إمام البصرة . والمنكر له هنا يقرأ به لحمزة في قوله تعالى : { فَمَا ٱسْطَاعُوۤاْ } [ الكهف : 97 ] إذ فيه الجمع بين الساكنين وصلاً بلا شك ؛ إذ السين ساكن والطاء مشدد وهذا مثله . والله أعلم - وبه يعلم ردّ ما قيل إن راوي التسكين لم يضبط القراءة لأن القارئ اختلس كسرة العين فظنه إسكاناً فإنه غفلة عن جوازه لغة . كما حكاه أبو عبيد وعن القراءة بنظيره في { ٱسْطَاعُوۤاْ } [ الكهف : 97 ] وبالله التوفيق .