Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 2, Ayat: 276-276)
Tafsir: Maḥāsin at-Taʾwīl
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
{ يَمْحَقُ ٱللَّهُ ٱلرِّبَٰواْ } أي : يذهب ريعه ويمحو خيره ، وإن كان زيادة في الظاهر فلا ينتفع به في الآخرة كما قال تعالى : { وَمَآ آتَيْتُمْ مِّن رِّباً لِّيَرْبُوَاْ فِي أَمْوَالِ ٱلنَّاسِ فَلاَ يَرْبُواْ عِندَ ٱللَّهِ } [ الروم : 39 ] . وقال تعالى : { وَيَجْعَلَ ٱلْخَبِيثَ بَعْضَهُ عَلَىٰ بَعْضٍ فَيَرْكُمَهُ جَمِيعاً فَيَجْعَلَهُ فِي جَهَنَّمَ } [ الأنفال : 37 ] { وَيُرْبِي ٱلصَّدَقَٰتِ } أي : يكثرها وينميها وإن كانت نقصاناً في الشاهد . فوائد الأولى : قال القاشانيّ : لأن الزيادة والنقصان إنما يكونان باعتبار العاقبة والنفع في الدارين . والمال الحاصل من الربا لا بركة له لأنه حصل من مخالفة الحق ، فتكون عاقبته وخيمة وصاحبه يرتكب سائر المعاصي . إذ كل طعام يولّد في آكله دواعي وأفعالاً من جنسه . فإن كان حراماً يدعوه إلى أفعال محرمة ، وإن كان مكروهاً فإلى أفعال مكروهة . وإن كان مباحاً فإلى مباحة . وإن كان من طعام فضل فإلى مندوبات ، وكان في أفعاله متبرعا ًمتفضلاً . وإن كان بقدر الواجب من الحقوق فأفعاله تكون واجبة ضرورية . وإن كان من الفضول والحظوظ فأفعاله تكون كذلك . فعليه إثم الربا وآثار أفعاله المحرمة المتولدة من أكله . فتزداد عقوباته وآثامه أبداً . ويتلف الله ما له في الدنيا فلا ينتفع به أعقابه وأولاده . فيكون ممن خسر الدنيا والآخرة وذلك هو المحق الكليّ . وأما المتصدق فلكون ماله مزكّى يبارك الله في تثميره مع حفظ الأصل . وآكله لا يكون إلا مطيعاً في أفعاله . ويبقى ماله في أعقابه وأولاده منتفعاً به . وذلك هو الزيادة في الحقيقة . ولو لم تكن زيادته إلا ما صرف في طاعة الله لكفى به زيادة . وأي زيادة أفضل مما تبقى عند الله ؟ ولو لم يكن نقصان الربا إلا حصوله من مخالفة الله وارتكاب نهيه لكفى به نقصاناً . وأي نقصان أفحش مما يكون سبب حجاب صاحبه وعذابه ونقصان حظه عند الله ؟ الثانية : قال القاشانيّ : عليه الرحمة ، قبل ذلك : آكل الربا أسوأ حالاً من جميع مرتكبي الكبائر . فإن كل مكتسب له توكلٌ مّا فيه كسبه ، قليلاً كان أو كثيراً . كالتاجر والزارع والمحترف . إذ لم يعينوا أرزاقهم بعقولهم ولن تتعين لهم قبل الاكتساب . فهم على غير معلوم في الحقيقة . كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " أبى الله أن يرزق المؤمن إلا من حيث لا يعلم " وأما آكل الربا فقد عين على آخذه مكسبه ورزقه . سواء ربح الآخذ أو خسر . فهو محجوب عن ربه بنفسه ، وعن رزقه بتعيينه . لا توكّل له أصلاً . فوكله الله تعالى إلى نفسه وعقله . وأخرجه من حفظه وكلاءته . فاختطفه الجن وخبلته . فيقوم يوم القيامة ولا رابطة بينه وبين الله ، كسائر الناس المرتبطين به بالتوكل . فيكون كالمصروع الذي مسه الشيطان فتخبطه ، لا يهتدي إلى مقصد . الثالثة : قال بعض العلماء العمرانيين : يشترط لجواز التمول أن يكون من وجه مشروع . كما في مقابلة عمل أو معاوضة . وألا يتجاوز المال قدر الحاجة بكثير . ولذا حرمت الشرائع السماوية كلها ، وكذلك الحكمة السياسية والأخلاقية والعمرانية ، أكلَ الربا ، قصداً لحفظ التساوي والتقارب بين الناس في القوة المالية ؛ لأن الربا هو كسب بدون مقابل ماديّ ، ففيه معنى الغصب . وبدون عمل ، ففيه الألفة على البطالة المفسدة للأخلاق . وبدون تعرض لخسائر طبيعية ، كالتجارة والزراعة والأملاك . ومن المشاهد أن بالربا تربو الثروات فيختل التساوي بين الناس . ثم قال : وقد نظر الماليون والاقتصاديون في أمر الربا فقالوا : إن المعتدل منه نافع بل لا بد منه . أولاً : لأجل قيام المعاملات الكبيرة . وثانياً : لأجل أن النقود الموجودة لا تفي للتداول ، فكيف إذا أمسك المكتنزون قسماً منها أيضاً ؟ وثالثاً : لأجل أن الكثيرين من المتمولين لا يعرفون طرائق الاسترباح أو لا يقدرون عليها . كما أن كثيراً من العارفين بها لا يجدون رؤوس أموال ولا شركاء عنان . فهذا النظر صحيح من وجه إنماء ثروات الأفراد والأمم . أما السياسيون والأخلاقيون فينظرون إلى أن ضرر ذلك في جمهور الأمم أكبر من نفعها ؛ لأن هذه الثروات الإفرادية تمكن الاستبداد الداخليّ . فتجعل الناس صنفين : عبيداً وأسياداً . وتقوي الاستبداد الخارجيّ فتسهل التعدي على حرية واستقلال الأمم الضعيفة مالاً وعُدة . وهذه مقاصد فاسدة في نظر الحكمة والعدالة . ولذلك حرمت الأديان الربا تحريماً مغلظاً . انتهى . الرابعة : قال الرازي : لما بالغ تعالى في الزجر عن الربا ، وكان قد بالغ في الآيات المتقدمة في الأمر بالصدقات ، ذكر ههنا ما يجري مجرى الداعي إلى ترك الصدقات وفعل الربا ، وكشف عن فساده . وذلك لأن الداعي إلى فعل الربا تحصيل المزيد في الخيرات . والصارف عن الصدقات الاحتراز عن نقصان الخيرات . فبيّن تعالى أن الربا وإن كان زيادة في المال إلا أنه نقصان في الحقيقة . وإن الصدقة وإن كانت نقصاناً في الصورة إلا أنها زيادة في المعنى . ولما كان الأمر كذلك كان اللائق بالعاقل أن لا يلتفت إلى ما يقضي به الطبع والحس من الدواعي والصوارف . بل يعول على ما لديه الشرع إليه منهما . وقال القفال : ونظير قوله : { يَمْحَقُ ٱللَّهُ ٱلرِّبَٰواْ } المثلُ الذي ضربه فيما تقدم بصفوان عليه تراب فأصابه وابل فتركه صلداً . ونظير قوله : { وَيُرْبِي ٱلصَّدَقَٰتِ } المثلُ الذي ضربه بحبة أنبتت سبع سنابل في كل سنبلة مائة حبة . { وَٱللَّهُ لاَ يُحِبُّ كُلَّ كَفَّارٍ أَثِيمٍ } صيغتا مبالغة من الكفر والإثم ، لاستمرار مستحلّ الربا وآكله عليهما وتماديه في ذلك . وفي الآية تغليظ في أمر الربا وإيذان بأنه من فعل الكفار ، لا من فعل المسلمين .