Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 2, Ayat: 286-286)

Tafsir: Maḥāsin at-Taʾwīl

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

{ لاَ يُكَلِّفُ ٱللَّهُ نَفْساً إِلاَّ وُسْعَهَا } أي : لا يحملها إلا ما تسعه وتطيقه ولا تعجز عنه . قال الرازيّ : يحتمل أن يكون هذا ابتداء خبر من الله ، ويحتمل أن يكون حكاية عن الرسول والمؤمنين بأنهم قالوا : { لاَ يُكَلِّفُ ٱللَّهُ نَفْساً إِلاَّ وُسْعَهَا } على نسق الكلام في قوله : { وَقَالُواْ سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا } [ البقرة : 285 ] . وقالوا : { لاَ يُكَلِّفُ ٱللَّهُ نَفْساً إِلاَّ وُسْعَهَا } . ويؤيد ذلك ما أردفه من قوله : { رَبَّنَا لاَ تُؤَاخِذْنَا } . فكأنه تعالى حكى عنهم طريقتهم في التمسك بالإيمان والعمل الصالح . وحكى عنهم في جملة ذلك أنهم وصفوا ربهم بأنه لا يكلف نفساً إلا وسعها . ثم قال الرازي : في كيفية النظم : إن قلنا : إن هذا من كلام المؤمنين ، فوجه النظم أنهم لما قالوا : { سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا } [ البقرة : 285 ] فكأنهم قالوا : كيف لا نسمع ولا نطيع وأنه تعالى لا يكلفنا إلا ما في وسعنا وطاقتنا . فإذا كان هو تعالى ، بحكم الرحمة الإلهية ، لا يطالبنا إلا بالشيء السهل الهيّن ، فكذلك نحن بحكم العبودية وجب أن نكون سامعين مطيعين . وإن قلنا : إن هذا من كلام الله تعالى ، فوجه النظم أنهم لما قالوا : { سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا } [ البقرة : 285 ] ثم قالوا بعده : { غُفْرَانَكَ رَبَّنَا } [ البقرة : 285 ] ، دل ذلك على أن قولهم : { غُفْرَانَكَ } طلب للمغفرة فيما يصدر عنهم من وجوه التقصير منهم على سبيل العمد فلما كان قولهم : { غُفْرَانَكَ } ، طلبا المغفرة في ذلك التقصير ، لا جرم خفف الله تعالى ذلك عنهم . وقال : { لاَ يُكَلِّفُ ٱللَّهُ نَفْساً إِلاَّ وُسْعَهَا } . والمعنى : أنكم إذا سمعتم وأطعتم ، وما تعمدتم التقصير ، فعند ذلك لو وقع منكم نوع تقصير على سبيل السهو والغفلة فلا تكونوا خائفين منه . فإن الله تعالى : { لاَ يُكَلِّفُ ٱللَّهُ نَفْساً إِلاَّ وُسْعَهَا } . وبالجملة فهذا إجابة لهم في دعائهم في قولهم : { غُفْرَانَكَ رَبَّنَا } [ البقرة : 285 ] . قال زين العابدين بير محمد درة في المدحة الكبرى : وعلى احتمال أن يكون قوله : { لاَ يُكَلِّفُ ٱللَّهُ … } الخ . حكاية ، فهو من قبيل العطف بلا عاطف . أو الكلام على تقدير قالوا . قال بعضهم : ولك أن تجعل { لاَ يُكَلِّفُ ٱللَّهُ … } الخ في حيز القول . وأن يكون حكاية للأقوال المتفرقة غير المعطوفة بعضها على بعض للمؤمنين . يكون مدحاً لهم بأنهم شاكرون لله تعالى في تكليفه . حيث يرونه بأنه لم يخرج عن وسعهم . وبأنهم يرون أن الله تعالى لا ينتفع بعملهم الخير ، بل هو لهم . ولا يتضرر بعملهم الشرّ ، بل هو عليهم . وقال البقاعيّ : وهذا الكلام من جملة دعائهم على وجه الثناء طلباً للوفاء بما أخبرهم به الرسول صلى الله عليه وسلم عنه سبحانه من ذلك ، خوفاً من أن يكلفوا بما لله تعالى أن يكلف به من المؤاخذة بالوساوس ، لأنه مما تخفيه النفوس ولا طاقة على دفعه . ولعل العدول عن الخطاب إلى الغيبة بذكر الاسم الأعظم من باب التملق بأن له من صفات العظمة ما يقتضي العفو عن ضعفهم . ومن صفات الحلم والرحمة ما يرفَّه عنهم . ويحتمل أن يكون ذلك من قول الله تعالى جزاء لهم على قولهم : { سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا } [ البقرة : 285 ] ، الآية . فأفادهم بذلك أنه لا يحاسبهم بحديث النفس . فانتفى ما شق عليهم من قوله : { وَإِن تُبْدُواْ مَا فِيۤ أَنْفُسِكُمْ … } [ البقرة : 284 ] ، الآية . بخلاف ما أفاد بني إسرائيل قولهم : { سَمِعْنَا وَعَصَيْنَا } [ النساء : 46 ] ، من الآصار في الدنيا والآخرة . فيكون حينئذ استئنافاً جواباً لمن كأنه قال : هل أجاب دعائهم . ويؤيد هذا الاحتمال اتباعه لحكم ما في الوسع على طريق الاستئناف أو الاستنتاج بقوله : { لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا ٱكْتَسَبَتْ } . قال العلامة أبو السعود : قوله تعالى : { لَهَا مَا كَسَبَتْ } الخ . للترغيب في المحافظة على مواجب التكليف والتحذير عن الإخلال بها . ببيان أن تكليف كل نفس مع مقارنته لنعمة التخفيف والتيسير تتضمن مراعاته منفعة زائدة ، وأنها تعود إليها لا إلى غيرها . ويستتبع الإخلال به مضرة تحيق بها لا بغيرها . فإن اختصاص المنفعة الفعل بفاعله من أقوى الدواعي إلى تحصيله . واقتصار مضرته عليه من أشد الزواجر عن مباشرته . أي لها ثواب ما كسبت من الخير الذي كلفت فعله ، لا لغيرها ، وعليها لا على غيرها عقاب ما اكتسبت من الشر الذي كلفت تركه . وإيراد الاكتساب في جانب الشر لما فيه من اعتمال ناشئ من اعتناء النفس بتحصيل الشر وسعيها في طلبه . قال الحراليّ : وصيغة فَعَلَ مجردة ، تعرب عن أدنى الكسب . فلذلك من هم بحسنة فلم يعملها كتبت له حسنة . لطيفة وقال الجاربرديّ في شرح الشافية : معنى الكسب تحصيل الشيء على أي وجه كان . والاكتساب المبالغة والاعتمال فيه . ومن ذلك قوله تعالى : { لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا ٱكْتَسَبَتْ } وفيه تنبيه على لطف الله تعالى بخلقه ، إذ أثبت لهم ثواب الفعل على أي وجه كان . ولم يثبت عليهم عقاب الفعل إلا على وجه مبالغةٍ واعتمال فيه . قال الزمخشري : لما كان الشر مما تشتهيه النفس وهي منجذبة إليه وأمّارة به ، كانت في تحصيله أعمل وأجدّ . فجعلت لذلك مكتسبة فيه . ولما لم تكن في باب الخير كذلك لفتورها في تحصيله ، وصفت بما لا دلالة له على الاعتمال والتصرف . انتهى . قال العلامة ابن جماعة في حواشيه : تفرقته بين الكسب والاكتساب هو ما قال الزمخشري وغيره ونص عليه سيبويه . قال الحلبيّ : وهو الأظهر . وقال قوم : لا فرق . قالوا : وقد جاء القرآن بالكسب والاكتساب في مورد واحد . قال تعالى : { كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ رَهِينَةٌ } [ المدثر : 38 ] . { وَلاَ تَكْسِبُ كُلُّ نَفْسٍ إِلاَّ عَلَيْهَا } [ الأنعام : 164 ] . { بَلَىٰ مَن كَسَبَ سَيِّئَةً } [ البقرة : 81 ] . وقال تعالى : { بِغَيْرِ مَا ٱكْتَسَبُواْ } [ الأحزاب : 58 ] . فقد استعمل الكسب والاكتساب في الشر . وقال الواحديّ : الصحيح عند أهل اللغة أن الكسب والاكتساب واحد . وفي القاموس : كسبه يكسبه كسباً ، وتكسب واكتسب : طلب الرزق . أو كسب أصاب ، واكتسب تصرف واجتهد . ثم قال ابن جماعة : ما ذكره من تنبيه الآية على لطف الله بخلقه إلى آخره ، قاله ابن الحاجب في شرح المفصل وبمعناه قول بعضهم : في الآية إيذان أن أدنى فعل من أفعال الخير يكون للإنسان تكرماً من الله على عبده ، بخلاف العقوبة فإنه لا يؤاخذ بها إلا من جدّ فيها واجتهد . وقريب منه قول آخر : للنفس ما حصل من الثواب بأي وجه اتفق حصوله سواء كان بإصابة مجردة أو بتحصيل . وعليها ما حصلته وسعت فيه لا ما حصل من غير اختيار وسعي . نبه تعالى أن الثواب حاصل لها سواء كان بسعيها واختيارها أو لم يكن كذلك . وأما العقاب فلا يكون عليها إلا بقصدها وتحصيلها . وما قالوه من الفرق يحتاج إلى ثبت . وقد قال تعالى : { فَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ * وَمَن يَعْـمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرّاً يَرَهُ } [ الزلزلة : 7 - 8 ] أي : يرى جزاءه . وقال : { وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَن يَشَآءُ } [ النساء : 48 ] . على أن ترتب الثواب على ما حصل من غير سعي واختيار ، إن كان لمباشرة سببه مع الغفلة عنه ، فالعقاب أيضاً كذلك . فمن عمل سيئة فعليه إثمها وإثم من عمل بها ، وإن صوّر بالإصابة عند أول الالتفات فلا مانع أن يكون العقاب مثله . ومدعى خلافه عليه البيان . نعم الإصرار شرط ؛ لأن الرجوع يمحو لكنه قدر زائد على الفعل . وبالجملة فما قاله جار الله حسن . وقد ذكره البيضاويّ أيضاً . وفي إعراب الحلبيّ : الذي يظهر في هذا ، أن الحسنات مما تكسب دون تكلف . إذ كاسبها على جادة أمر الله ورسم شرعه ، والسيئات تكتسب بتكلف . إذ كاسبها يتكلف في أمرها خرق حجاب نهى الله تعالى ، ويتجاوز إليها . فحسن في الآية مجيء التصريفين إحرازاً لهذا المعنى والله اعلم . ثم قال ابن جماعة : والمبالغة من بالغ مبالغة اجتهد ولم يقصر . والاعتمال من اعتمل أي عمل بنفسه وأعمل رأيه وآلته . انتهى . قال البقاعيّ ولما بشرهم بذلك ، عرفهم مواقع نعمه من دعاء رتبَّه على الأخف فالأخف على سبيل التعلّي ، إعلاماً بأنه لم يؤاخذهم بما اجترحوه نسياناً ، ولا بما قارفوه خطأ ، ولا حمل عليهم ثقلاً . بل جعل شريعتهم حنيفية سمحاء . ولا حملهم فوق طاقتهم . مع أن له جميع ذلك . وأنه عفا عن عقابهم ثم سترهم فلم يخجلهم بذكر سيئاتهم . ثم رحمهم بأن أحلّهم محل القرب فجعلهم أهلاً للخلافة . فلاح بذلك أنه يعلى أمرهم على كل أمر . ويظهر دينهم على كل دين . وإذ كان سبحانه هو الداعي عنهم . وليكون الدعاء كله محمولاً على الإصابة ومشمولاً بالإجابة فقال تعالى : { رَبَّنَا لاَ تُؤَاخِذْنَا } أي : لا تعاقبنا { إِن نَّسِينَآ } أمرك ونهيك { أَوْ أَخْطَأْنَا } أي : ففعلنا خلاف الصواب ، تفريطاً ونحوه . وقد وَلِع كثير من المفسرين ههنا بالبحث في أن النسيان الخطأ معفوّ عنهما ، فما فائدة طلب العفو عنهما ؟ وأجابوا عن ذلك بوجوه . وأرق جواب رأيته قول العلامة بير محمد في المدحة الكبرى : لما كان طالب العفو الرسول والأنصار والمهاجرون ومن كان على شاكلتهم ، فكأنهم يعدون النسيان من العصيان والخطأ من الخطيئة . كقوله تعالى : { وَٱلَّذِينَ يُؤْتُونَ مَآ آتَواْ وَّقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ } [ المؤمنون : 60 ] . وقيل في معنى الآية : لا تعاقبنا إن تركنا أمرك أو اكتسبنا خطيئة . على أن يكون النسيان بمعنى الترك . والخطأ من الخطيئة . وعليه فلا إيراد ، والله أعلم . { رَبَّنَا وَلاَ تَحْمِلْ عَلَيْنَآ إِصْراً } أي : عهداً يثقل علينا . قال الحراليّ : الإصر العهد الثقيل الذي في تحمله أشد المشقة { كَمَا حَمَلْتَهُ عَلَى ٱلَّذِينَ مِن قَبْلِنَا } وهو ما كُلِّفهُ بنو إسرائيل مما يهد الأركان . ولا بأس بالإشارة إلى جُمَلٍ مما حملوه من الآصار . ننقله عن أسفارهم تأكيدا لما يحمل على الشكر على تخفيف ذلك عنا ، وتعظيماً لمنته تعالى صلى الله عليه وسلم فلله الحمد فنقول : في سفر الخروج في الأصحاح الثاني عشر : ( 15 ) سبعة أيام تأكلون فطيرا . اليوم الأول تعزلون الخمير في بيوتكم . فإن كل من أكل خميراً من اليوم الأول إلى اليوم السابع تقطع تلك النفس من إسرائيل . وكل هذا الأصحاح آصار شاقة . وفي السفر المذكور - في الأصحاح الحادي والعشرين : ( 15 ) ومن ضرب أباه أو أمه يقتل قتلاً ( 16 ) ومن سرق إنساناً وباعه أو وُجد في يده يقتل قتلاً . ( 17 ) ومن شتم أباه أو أمه يقتل قتلاً . ( 27 ) وإن أسقط سن عبده أو سن أمته يُطلقه حَرّاً عوضاً عن سنه ( 28 ) وإذا نطح ثور رجلاً أو امرأة فمات يرجم الثور ولا يؤكل لحمه ، وأما صاحب الثور فيكون بريئاً ( 29 ) ولكن إن كان ثوراً نطَّاحاً من قبلُ وقد أُشهِد على صاحبه ولم يضبطه فقتل رجلا أو امرأة ، فالثور يرجم وصاحبه أيضا يقتل . وفي السفر المذكور ، في الأصحاح الثالث والعشرين : ( 10 ) وست سنين تزرع أرضك وتجمع غلتها ( 11 ) وأما في السابعة فتريحها وتتركها ليأكل فقراء شعبك . وفضلتهم تأكلها وحوش البرية كذلك تفعل بكرمك وزيتونك . ( 12 ) ستة أيام تعمل عملك . وأما اليوم السابع ففيه تستريح لكي يستريح ثورك وحمارك ويتنفس ابن أمتك والغريب . ( 19 ) أول أبكار أرضك تحضره إلى بيت الرب إلهك . وفي سفر العدد ، في الصحاح الخامس عشر : ( 37 ) وكلم الرب موسى قائلاً ( 38 ) كلَّم بني إسرائيل وقل لهم : أن يصنعوا لهم أهداباً في أذيال ثيابهم في أجيالهم ويجعلوا على هدب الذيل عصابة من أسمانْجُوتيّ ( 39 ) فتكون لكم هدّباً فترونها وتذكرون كل وصايا الرب وتعملونها . وفي السفر المذكور ، في الأصحاح التاسع عشر : ( 11 ) من مس ميتاً مَيْتَةَ إنسانٍ ما يكون نجساً سبعة أيام . ( 12 ) يتطهر به في اليوم الثالث ، وفي السابع يكون طاهراً . وإن لم يتطهر في اليوم الثالث ففي اليوم السابع لا يكون طاهراً . ( 13 ) كل من مس ميتاً ميتةً إنسان قد مات ولم يتطهر ينجّس مسكن الرب . فتقطع تلك النفس من إسرائيل ، لأن ماء النجاسة لم يُرَش عليها تكون نجسة . نجاستها لم تزل فيها . ( 14 ) هذه هي الشريعة . إذا مات إنسان في خيمة فكل من دخل الخيمة وكل من كان في الخيمة يكون نجساً سبعة أيام ( 15 ) وكل إناء مفتوح ليس عليه سداد بعصابة فإنه نجس . ( 16 ) وكل من مس على وجه الصحراء قتيلاً بالسيف أو ميتاً أو عظم إنسان أو قبراً يكون نجساً سبعة أيام . وتمام الفصل المذكور كيفية الطهارة من هذه النجاسة الشاقة جدّاً . وفي السفر المذكور في الإصحاح الخامس والثلاثين : ( 31 ) ولا تأخذوا فدية عن نفس القاتل المذنب للموت بل إنه يقتل . وفي سفر التثنية ، في الأصحاح الخامس عشر : ( 19 ) كل بِكْرٍ ذكرٍ يولد من بقرك ومن غنمك تقدسه للرب إلهك . لا تشتغل على بكر بقرك ولا تَجُزَّ بكرَ غنمك . وفي سفر الخروج - في الإصحاح الرابع والثلاثين : ( 20 ) وأما بكر الحمار فتفديه بشاة . وإن لم تفده تكسر عنقه . كل بكر من بنيك تفديه . وفي سفر اللاويين ، في الإصحاح الرابع : ( 1 ) وكلم الرب موسى قائلاً ( 2 ) كلم بني إسرائيل قائلا : إذا أخطأت نفس سهواً في شيء من جميع مناهي الرب التي لا ينبغي عملها وعَمِلتَ واحدة منها ( 3 ) إن كان الكاهن الممسوح يخطئ لإثم الشعب يقرّب عن خطيئته التي أخطأ ثورا ابن بقرٍ صحيحاً للرب ذبيحة خَطِيَّةٍ . وكيفية ذلك حرجة جدّاً . انظرها . وفيه ، في الإصحاح الخامس : ( 2 ) أو إذا مس أحد شيئاً نجساً جثة وحش نجس أو جثة بهيمة نجسة أو جثة ديب نجس وأخفى عنه فهو نجس ومذنب . ( 5 ) فإن كان بذنب في شيء من هذه يقرّ بما قد أخطأ به . ( 6 ) ويأتي إلى الرب بذبيحة لإثمه عن خطيئته التي أخطأ بها أنثى من الأغنام نعجة أو عنزا من المعز ذبيحة خطية فيكفر عنه الكاهن من خطيئته . والإصحاح المذكور كله آصار . وكذا الإصحاح السادس بعده كله آصار . وفي الإصحاح الحادي عشر تحريم بعض الطيور وفي آصار كثيرة . منها : ( 33 ) وكل متاع خزف وقع فيه منها فكل ما فيه يتنجس ، وأما هو فتكسرونه . وفي الإصحاح الثاني عشر أحكام النفساء عندهم والفرق بين ولادتها ذكراً وأنثى . وإنها في الأول تكون نجسة أسبوعاً ثم ثلاثاً وثلاثين يوماً . وفي الثاني أسبوعين ثم ستة وستين يوماً . وعن تمام أيام طهرها تأتي بكيس كفارة عنها . وفي الإصحاح الخامس عشر تشريعات لذوي الجراحات . وفي ذلك آصار كبرى . انظرها . وفيه أيضاً أحكام الحائض والآصار في شأنها . ومنها : ( 19 ) وكل من مسها يكون نجساً إلى المساء ( 20 ) وكل ما تضطجع عليه في طمثها يكون نجساً وكل ما تجلس عليه يكون نجساً ( 21 ) وكل من مس فراشها يغسل ثيابه ويستحمّ بماء ويكون نجساً إلى المساء . وفي الإصحاح السابع عشر : ( 15 ) وكل إنسان يأكل ميتة أو فريسة وطنياً كان أو غريباً يغسل ثيابه ويستحمّ بماء ويبقى نجساً إلى المساء . وفي الإصحاح التاسع عشر : ( 23 ) ومتى دخلتم الأرض وغرستم كل شجرة للطعام تحسبون ثمرها غْرْلتها ، ثلاث سنين تكون لكم غَلْفَاءَ ، لا يؤكل منها . ( 24 ) وفي السنة الرابعة يكون كل ثمرها قُدسا لتمجيد الرب . ( 25 ) وفي السنة الخامسة تأكلون ثمرها . لتزيد بكم غَلَّتها . أنا الرب إلهكم . ( 27 ) لا تقصروا رؤوسكم مستديراً ولا تفسد عارضيك . وفي الإصحاح الخامس والعشرين : ( 3 ) ست سنين تزرع حقلك وست سنين تقضب كرمك وتجمع غلتهما . ( 4 ) وأما السنة السابعة ففيها يكون للأرض سبت عطلة سبتاً للرب . لا تزرع حقلك ولا تقضب كرمك . ( 5 ) زِرِّيع حصيدك لا تحصد وعنب كرمك المُحْوِل لا تقطف . سنة عطلة تكون للأرض . ( 6 ) ويكون سبت الأرض لكم طعاماً . لك ولعبدك ولأمتك ولأجيرك ولمستوطنك النازلين عندك . ( 7 ) ولبهائمك وللحيوان الذي في أرضك تكون كل غلتها طعاماً . وفي سفر التثنية ، في الإصحاح الحادي والعشرين : ( 18 ) وإذا كان لرجل ابنٌ معاندٌ وماردٌ ولا يسمع لقول أبيه ولا لقول أمه ويؤدبانه فلا يسمع لهما . ( 19 ) يمسكه أبوه وأمه ويأتيان به إلى شيوخ مدينته وإلى باب مكانه . ( 20 ) ويقولون لشيوخ مدينته : ابننا هذا معاند ومارد لا يسمع لقولنا وهو مسرف وسكّير . ( 21 ) فيرجمه جميع رجال مدينته بحجارة حتى يموت . وفيه ، في الإصحاح الثاني والعشرين : ( 10 ) لا تحرث على ثور وحمار معاً . ( 11 ) لا تلبس ثوباً مختلطاً صوفاً وكتاناً معاً . وفيه ، في الإصحاح الرابع والعشرين : ( 1 ) إذا أخذ رجل امرأة وتزوج بها فإن لم تجد نعمة في عينيه لأنه وجد فيها عيب شيء وكتب لها كتاب طلاق ودفعه إلى يدها وأطلقها من بيته . ( 2 ) ومتى خرجت من بيته ذهبت وصارت لرجل آخر . ( 3 ) فإذا أبغضها الرجل الأخير وكتب لها كتاب طلاق ودفعه إلى يدها وأطلقها من بيته أو إذا مات الرجل الأخير الذي اتخذها له زوجة . ( 4 ) لا يقدر زوجها الأول الذي طلقها أن يعود بأخذها لتصير له زوجة بعد أن تنجست . لأن ذلك رجس لدى الرب . وهذه نبذة يسيرة من الآصار التي كانت على الإسرائيليين ولم يشرعها لنا مولانا بفضله وكرمه له الحمد ، إنه أرحم الراحمين . { رَبَّنَا وَلاَ تُحَمِّلْنَا مَا لاَ طَاقَةَ لَنَا بِهِ } أي : من بليات الدنيا والآخرة . فالدعاء الأول في رفع شدائد التكليف ، وهذا في رفع شدائد البليات . ويقال : هو تكرير للأول وتصوير للإصر بصورة ما لا يستطاع مبالغة . { وَٱعْفُ عَنَّا } أي : تجاوز عن ذنوبنا ولا تعاقبا { وَٱغْفِرْ لَنَا } أي : غطِّ على ذنوبنا واعف عنا { وَٱرْحَمْنَآ } أي : تفضّل علينا بالرحمة مع كوننا مقصّرين مذنبين { أَنتَ مَوْلَٰـنَا } أي : وليّنا وناصرنا { فَٱنْصُرْنَا عَلَى ٱلْقَوْمِ ٱلْكَافِرِينَ } فإن من حق المولى أن ينصر عبده ومن يتولىّ أمره على الأعداء . وفيه إشارة إلى أنّ إعلاء كلمة الله والجهاد في سبيله تعالى ، حسبما أمر في تضاعيف السورة الكريمة ، غاية مطلبهم . قال البقاعيّ : فتضمّن ذلك وجوب قتال الكافرين . وأنهم أعدى الأعداء . وأنّ قوله : { لاَ إِكْرَاهَ فِي ٱلدِّينِ } [ البقرة : 256 ] ليس ناهياً عن ذلك . وإنّما هو إشارة إلى أنّ الدين صار في الوضوح إلى حدّ لا يتصور فيه إكراه . بل ينبغي لكلّ عاقل أن يدخل فيه بغاية الرغبة فضلاً عن الإحواج إلى إرهاب ، فمن نصح نفسه دخل فيه بما دلّ عليه عقله ، ومن أبى دخل فيه قهراً بنصيحة الله التي هي الضرب بالحسام ونافذ السهام . وقد ورد في صحيح مسلم عن النبيّ صلى الله عليه وسلم : " إن الله تعالى قال عقب كلّ دعوة من هذه الدعوات : قد فعلت " . وقد روى البخاريّ والجماعة عن أبي مسعود رضي الله عنه قال : قال النبيّ صلى الله عليه وسلم : " من قرأ بالآيتين من آخر سورة البقرة ، في ليلةٍ ، كفتاه " . وروى الإمام أحمد عن أبي ذرّ قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " أعطيت خواتيم سورة البقرة من بيت كنز من تحت العرش ، لم يعطهنّ نبيٌّ قبلي " . وأخرج مسلم عن ابن مسعود قال : " لما أسرى برسول الله صلى الله عليه وسلم ، انتهى به إلى سدرة المنتهى وهي في السماء السادسة . إليها ينتهي ما يُعرج به من الأرض ، فيُقبض منها . وإليها ينتهي ما يهبط من فوقها ، فيقبض منها . قال : { إِذْ يَغْشَىٰ ٱلسِّدْرَةَ مَا يَغْشَىٰ } [ االنجم : 16 ] قال : فراش من ذهب قال ، فأعطي رسول الله صلى الله عليه وسلم ثلاثاً : أُعطي الصلوات الخمس ، وأُعطي خواتيم سورة البقرة ، وغُفر لمن لم يشرك بالله من أمته شيئاً ، المقحمات " . وعن ابن عباس قال : " بينما جبريل قاعد عند النبيّ صلى الله عليه وسلم سمع نقيضاً من فوقه فرفع رأسه فقال : " هذا باب من السماء فتح اليوم . لم يفتح قط إلا اليوم ، فنزل منه ملك فقال : هذا ملك نزل إلى الأرض . لم ينزل قط إلا اليوم . فسلّم وقال : أبشر بنورين أوتيتهما لم يؤتهما نبيٌّ قبلك . فاتحة الكتاب وخواتيم سورة البقرة . لن تقرأ حَرْفاً منهما إلا أُعطيته " رواه مسلم والنسائي . وهذا لفظ مسلم . وأخرج الترمذيّ والنسائيّ والدراميّ والحاكم وصححه ، عن النعمان بن بشير : أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " إن الله كتب كتاباً قبل أن يخلق السماوات والأرض بألفي عام . أنزل منه آيتين ختم بهما سورة البقرة ، ولا يقرآن في دار ثلاث ليال فيقربها شيطان " . وأخرج عبد بن حميد في مسنده عن الحسن : أنه كان إذا قرأ آخر البقرة قال : يا لك نعمة … ! يا لك نعمة … ! هذا ، وقد روى في فَضْلِ سورة البقرة أحاديث كثيرة … منها ما أخرجه مسلم والترمذيّ من حديث النوّاس بن سمعان قال : سمعت النبيّ صلى الله عليه وسلم يقول : " يؤتى بالقرآن يوم القيامة وأهله الذين كانوا يعملون به تَقدُمُهُ سورة البقرة وآل عمران " وضرب لهما رسول الله صلى الله عليه وسلم ثلاثة أمثال ما نسيتهن بعدُ قال : " كأنهما عمامتان أو ظلتان سوداوان بينهما شَرْق . أو كأنهما حِزقان من طير صوافّ تحاجان عن صاحبهما " . وأخرج أحمد والحاكم والدارميّ عن بريدة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " تعلموا سورة البقرة . فإن أخذها بركة ، وتركها حسرة ، ولا تستطيعها البطلة . تعلموا البقرة وآل عمران فإنهما هما الزهراوان يجيئان يوم القيامة كأنهما غماماتان أو غيايتان أو كأنهما فرقان من طير صوافّ تجادلان عن صاحبهما " . وأخرج أحمد ومسلم والترمذيّ عن أبي هريرة : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " لا تجعلوا بيوتكم مقابر ، إن الشيطان ينفر من البيت الذي تقرأ فيه سورة البقرة " ولفظ الترمذيّ : " وإن البيت الذي تقرأ فيه سورة البقرة لا يدخله الشيطان " . وأخرج سعيد بن منصور والترمذيّ والحاكم عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " لكل شيء سنامٌ . وإن سنام القرآن سورة البقرة ، وفيها آية هي سيدة آي القرآن . آية الكرسي " . فائدة قال ابن القيم : تأمّل خطاب القرآن تجد ملكاً له الملك كلّه ، وله الحمد كلّه ، أزمّة الأمور كلّها بيده ، ومصدرها منه ، وموردها إليه ، مستوياً على العرش ، لا تخفى عليه خافية من أقطار مملكته ، عالماً بما في نفوس عبيده ، مطّلعاً على أسرارهم وعلانيتهم ، منفرداً بتدبير المملكة . يسمع ويرى ، ويعطى ويمنع ، ويثيب ويعاقب ، ويكرم ويهين ، ويخلق ويرزق ، ويميت ويحيى ، ويقدر ويقضي ويدبر ، الأمورُ نازلة من عنده ، دقيقها وجليلها ، وصاعدة إليه لا تتحرك ذرة إلا بإذنه ، ولا تسقط ورقة إلا بعلمه . فتأمل كيف تجده يثني على نفسه ، ويمجّد نفسه ، ويحمد نفسه ، وينصح عباده ويدلّهم على ما فيه سعادتهم وفلاحهم ويرغبهم فيه ، ويحذرهم مما فيه هلاكهم ، ويتعرف إليهم بأسمائهم وصفاته ، ويتحبب إليهم بنعمه وآلائه ! يذكّرهم بنعمه عليهم ، ويأمرهم بما يستوجبون به تمامها . ويحذّرهم من نقمه ، ويذكّرهم بما أعدّ لهم من الكرامة إن أطاعوه ، ما أعدّ لهم من العقوبة إن عصوه ، ويخبرهم بصنعه في أوليائه وأعدائه ، وكيف كانت عاقبة هؤلاء وهؤلاء ، ويثني على أوليائه بصالح أعمالهم وأحسن أوصافهم ، ويذمّ أعداءه بسييء أعمالهم وقبيح صفاتهم ، ويضرب الأمثال ، وينوّع الأدلة والبراهين ، ويجيب عن شبه أعدائه أحسن الأجوبة . ويصدق الصادق ، ويكذب الكاذب ، ويقول الحق ، ويهدي السبيل ، ويدعو إلى دار السلام ويذكر أوصافها وحسنها ونعيمها ، ويحذر من دار البوار ويذكر عذابها وقبحها وآلامها . ويذكّر عباده فقرهم إليه وشدة حاجتهم إليه من كل وجه . وأنهم لا غنى لهم عنه طرفة عين ، ويذكّرهم غناءه عنهم وعن جميع الموجدات ، وأنه الغنيّ بنفسه عن كلّ ما سواه . وكل ما سواه فقير إليه . وأنه لا ينال أحدٌ ذرة من الخير فما فوقها إلا بفضله ورحمته . ولا ذرة من الشر فما فوقها إلا بِعَدْلِهِ وحكمته . وتشهد من خطابه عتابه لأحبابه ألطف عتاب . وأنه مع ذلك مقيل عثراتهم ، وغافر زلاتهم ، ومقيم أعذارهم ، ومصلح فسادهم ، والدافع عنهم ، والحامي عنهم ، والناصر لهم ، والكفيل بمصالحهم ، والمنجي لهم من كل كرب ، والموفي لهم بوعده . وأنه وليّهم الذي لا وليّ لهم سواه ، فهو مولاهم الحقّ ، وينصرهم على عدوّهم ، فنعم المولى ونعم النصير . وإذا شهدت القلوب من القرآن ملكاً عظيماً جواداً رحيماً جميلاً هذا شأنه ، فكيف لا تحبه ، وتنافس في القرب منه ، وتنفق أنفاسها في التودّد إليه ، ويكون أحبّ إليها من كل ما سواه ، ورضاه آثر عندها من رضى كلّ من سواه ؟ وكيف لا تلهج بذكره وتصيّر حبّه والشوق إليه والأنس به هو غذاؤها وقوتها ودواؤها ، بحيث إن فقدت ذلك فسدت وهلكت ولم تنتفع بحياتها ؟ اللَّهُمَّ ! اجعل القرآن ربيع قلوبنا ، ونور صدورنا ، وجلاء حزننا ، وأعِنَّا على إكمال ما قصدناه بفضلك . يا أرحم الراحمين .