Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 2, Ayat: 39-39)

Tafsir: Maḥāsin at-Taʾwīl

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

{ وَٱلَّذِينَ كَفَرواْ وَكَذَّبُواْ بِآيَٰتِنَآ } بالكتاب والرسول { أُولَـٰئِكَ أَصْحَٰبُ ٱلنَّارِ هُمْ فِيهَا خَٰلِدُونَ } لا يموتون ولا يخرجون . تنبيه إنما كرر الأمر بالهبوط للتأكد والإيذان بتحتم مقتضاه ، وتحققه لا محالة ، أو لاختلاف المقصود ، فإن الأول دل على أن هبوطهم إلى دار بلية يتعادون فيها ولا يخلدون . والثاني أشعر بأنهم أهبطوا للتكليف ، فمن اتبع الهدى نجا ، ومن ضله هلك . فوائد الأولى : ذهب كثيرون إلى أن الجنة التي أهبط منها آدم عليه السلام ، كانت في الأرض . قال بعضهم : هي على رأس جبل بالمشرق تحت خط الاستواء . وحملوا الهبوط على الانتقال من بقعة إلى بقعة ، كما في قوله تعالى : { ٱهْبِطُواْ مِصْراً } [ البقرة : 61 ] ، واحتجوا عليه بوجوه : أحدها : أن هذه الجنة ، لو كانت هي دار الثواب ، لكانت جنة الخلد ، ولو كان آدم في جنة الخلد ، لما لحقه الغرور من الشيطان بقوله : { هَلْ أَدُلُّكَ عَلَىٰ شَجَرَةِ ٱلْخُلْدِ وَمُلْكٍ لاَّ يَبْلَىٰ } [ طه : 120 ] ولما صح قوله : { مَا نَهَاكُمَا رَبُّكُمَا عَنْ هَـٰذِهِ ٱلشَّجَرَةِ إِلاَّ أَن تَكُونَا مَلَكَيْنِ أَوْ تَكُونَا مِنَ ٱلْخَالِدِينَ } [ الأعراف : 20 ] . وثانيها : أن من دخل هذه الجنة لا يخرج منها لقوله تعالى : { وَمَا هُمْ مِّنْهَا بِمُخْرَجِينَ } [ الحجر : 48 ] . وثالثها : لا نزاع في أن الله تعالى خلق آدم عليه السلام في الأرض ، ولم يذكر في هذه القصة أنه نقله إلى السماء ، ولو كان تعالى قد نقله إلى السماء ، لكان ذلك أولى بالذكر ، لأن نقله من الأرض إلى السماء ، من أعظم النعم ، فدل ذلك على أنه لم يحصل ، وذلك يوجب أن المراد من الجنة غير جنة الخلد . ورابعها : روى مسلم في صحيحه عن أبي هريرة رضي الله عنه ، عن النبيّ صلى الله عليه وسلم قال : " سيحان وجيحان والفرات والنيل ، كل من أنهار الجنة " . قال ابن مفلح : أكثر الناس على أن المراد بالجنة التي أسكنها آدم جنة الخلد ، دار الثواب ، ثم قال : قال شيخ الإسلام تقي الدين بن تيمية : وهذا قول أهل السنة والجماعة ، ومن قال إنها جنة في الأرض بالهند أو جدَّة ، أو غير ذلك ، فهو من الملحدة المبتدعين ، والكتاب والسنة يردان هذا القول ، وقد استوفى الكلام فيها في " مفتاح دار السعادة " وكتاب " حادي الأرواح إلى بلاد الأفراح " . الفائدة الثانية : اتفق الناس أن الشيطان كان متولياً إغواء آدم ، واختلف في الكيفية ، فقال ابن مسعود وابن عباس وجمهور العلماء : أغواهما مشافهة ، ودليل ذلك قوله : { هَلْ أَدُلُّكَ عَلَىٰ شَجَرَةِ ٱلْخُلْدِ وَمُلْكٍ لاَّ يَبْلَىٰ } [ طه : 120 ] ، وقوله : { مَا نَهَاكُمَا رَبُّكُمَا عَنْ هَـٰذِهِ ٱلشَّجَرَةِ إِلاَّ أَن تَكُونَا مَلَكَيْنِ أَوْ تَكُونَا مِنَ ٱلْخَالِدِينَ } [ الأعراف : 20 ] ومقاسمته لهما { إِنِّي لَكُمَا لَمِنَ ٱلنَّاصِحِينَ } [ الأعراف : 21 ] . والمقاسمة ظاهرها المشافهة ، ومنهم من قال : كان ذلك بالوسوسة ، كما قال : { فَوَسْوَسَ لَهُمَا ٱلشَّيْطَانُ } [ الأعراف : 20 ] ، فإغواؤه إغراؤه بوسواسه وسلطانه الذي جعل له ، كما قال صلى الله عليه وسلم : " إن الشيطان يجري من ابن آدم مجرى الدم " . وزعموا أن الشيطان لم يدخل الجنة إلى آدم بعد ما أخرج منها ، والوسوسة : لغةً ، حديث النفس والأفكار ، وحديث الشيطان بما لا نفع فيه ولا خير ، والكلام الخفيّ ، وظاهر الآيات يؤيد القول الأول . الفائدة الثالثة : لم يسمَّ الشيطان في الآية ، إذ لا حاجة ماسة إلى اسمه ، كما تقدم في الشجرة . ولما قدم الله تعالى دعوة الناس عموماً ، وذكر مبدأهم - دعا بني إسرائيل خصوصاً ، وهم اليهود ، لأنهم كانوا أولى الناس بالإيمان بالنبي صلى الله عليه وسلم ، لأنهم يجدونه مكتوباً عندهم في التوراة ، وقد جرى الكلام معهم ( من هنا إلى الآية رقم 142 ) فتارة دعاهم بالملاطفة ، وذكر الإنعام عليهم وعلى آبائهم ، وتارة بالتخويف ، وتارة بإقامة الحجة وتوبيخهم على سوء أعمالهم ، وذكر عقوباتهم التي عاقبهم بها ، كما سيأتي تفصيله ، فقال تعالى : { يَٰبَنِي إِسْرَائِيلَ ٱذْكُرُواْ نِعْمَتِيَ ٱلَّتِي أَنْعَمْتُ … } .