Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 2, Ayat: 50-50)
Tafsir: Maḥāsin at-Taʾwīl
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
{ وَإِذْ فَرَقْنَا بِكُمُ ٱلْبَحْرَ } بيان لسبب التنجية ، وتصوير لكيفيتها ، إثر تذكيرها وبيان عظمها وهولها . وقد بين في تضاعيف ذلك نعمة جليلة أخرى هي الإنجاء من الغرق ، أي واذكروا إذ فلقناه بسلوككم أو ملتبساً بكم أو بسبب إنجائكم . وفصلنا بين بعضه وبعض حتى حصلت مسالك ، فالباء على الأول استعانة ، مثلها في : كتبت بالقلم . وعلى الثاني للمصاحبة ، مثلها في : أسندت ظهري بالحائط ، وعلى الثالث للسببية . والوجه الأول ضعيف من حيث إن مقتضاه أن تفريق البحر وقع ببني إسرائيل والمنصوص عليه في التنزيل أن البحر إنما انفرق بعصا موسى . قال تعالى : { أَنِ ٱضْرِب بِّعَصَاكَ ٱلْبَحْرَ فَٱنفَلَقَ فَكَانَ كُلُّ فِرْقٍ كَٱلطَّوْدِ ٱلْعَظِيمِ } [ الشعراء : 63 ] فآلة التفريق العصا لا بنو إسرائيل { فَأَنجَيْنَٰكُمْ } أي : من الغرق بإخراجكم إلى الساحل { وَأَغْرَقْنَا آلَ فِرْعَوْنَ } أريد فرعون وقومه . وإنما اقتصر على ذكرهم للعلم بأنه أولى به منهم { وَأَنْتُمْ تَنظُرُونَ } أي : إلى ذلك وتشاهدونه لا تشكون فيه . ليكون ذلك أشفى لصدوركم وأبلغ في إهانة عدوكم . وكانت قصة إغراق آل فرعون المشار لها في هذه الآية ، على ما روي ، أن الحق تعالى لما شاء إخراج بني إسرائيل من مصر من بيت العبودية ، أوقع في نفس فرعون أن يطلقهم من مصر ، بعد إباء شديد منه ورؤية آيات إلهية كادت تُحِل به وبقومه البوارَ ، فدعا موسى وهارون وقال : اخرجوا من بين شعبي أنتما وبنو إسرائيل جميعا ، واذهبوا اعبدوا الرب كما تكلمتم . فلما ارتحلوا وأخبر فرعون أن الشعب قد هرب ، تغير قلبه عليهم وقال : ماذا فعلنا حتى أطلقناهم من خدمتنا ؟ فشد مركبته وأخذ قومه معه وسعى وراءهم وأدركهم وهم نازلون عند بحر القلزم ، وهو المشهور ببحر السويس ، فلما رأت بنو إسرائيل عسكر فرعون وراءهم قالوا : يا موسى أين ما وعدتنا من النصر والظفر ؟ فلو بقينا على خدمة المصريين لكان خيراً لنا من أن نهلك في هذه البرية : { قَالَ مُوسَىٰ لِقَوْمِهِ ٱسْتَعِينُوا بِٱللَّهِ وَٱصْبِرُوۤاْ إِنَّ ٱلأَرْضَ لِلَّهِ يُورِثُهَا مَن يَشَآءُ مِنْ عِبَادِهِ وَٱلْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ } [ الأعراف : 128 ] ، وقال { عَسَىٰ رَبُّكُمْ أَن يُهْلِكَ عَدُوَّكُمْ وَيَسْتَخْلِفَكُمْ فِي ٱلأَرْضِ فَيَنظُرَ كَيْفَ تَعْمَلُونَ } [ الأعراف : 129 ] . وأوحى الله إلى موسى عليه السلام أن اضرب بعصاك البحر فضربه فانفلق وأيبس قعره ، فدخل بنو إسرائيل فيه ، فتبعهم فرعون وجنوده ، فخرج موسى وقومه من الجهة الثانية ، وانطبق البحر على فرعون ومن معه فغرقوا كلهم ، وسيأتي الإشارة إلى هذه القصة في مواضع من التنزيل ، ومن أبسطها فيه سورة الشعراء .