Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 2, Ayat: 61-61)

Tafsir: Maḥāsin at-Taʾwīl

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

{ وَإِذْ قُلْتُمْ يَٰمُوسَىٰ لَن نَّصْبِرَ عَلَىٰ طَعَامٍ وَاحِدٍ } قال قتادة : لما ملوا طعامهم وذكروا عيشهم الذي كانوا فيه قبل ذلك . قالوا ذلك . قال الراغب : إن قيل : كيف قال : { لَن نَّصْبِرَ عَلَىٰ طَعَامٍ وَاحِدٍ } وكان لهم المن والسلوى ، قيل : إن ذلك إشارة إلى مساواته في الأزمنة المختلفة ، كقولك : فلان يفعل فعلاً واحداً في كل يوم ، وإن كثرت أفعاله ، إذا تحرى طريقة واحدة وداوم عليها . ا . هـ . وهذا المعنى في إنكار الطعام أبلغ ، لأنهم لم يكتفوا في إنكاره بقولهم : { لَن نَّصْبِرَ عَلَىٰ طَعَامٍ } ، حتى أكدوا بقولهم : { وَاحِدٍ } أو أرادوا بالواحد ما لا يختلف ولا يتبدل { فَٱدْعُ لَنَا رَبَّكَ يُخْرِجْ لَنَا مِمَّا تُنْبِتُ ٱلأَرْضُ مِن بَقْلِهَا وَقِثَّآئِهَا وَفُومِهَا } هو الثوم لقراءة ابن مسعود " وثومها " وللتصريح به في التوراة في هذه القصة . وقد ذكر ابن جرير شواهد لإبدال الثاء فاءً لتقارب مخرجيهما كقولهم للأثافي " أثاثي " وقولهم : وقعوا في عاثور شر وعافور شر ، وللمغافير : " مغاثير " . { وَعَدَسِهَا وَبَصَلِهَا قَالَ أَتَسْتَبْدِلُونَ ٱلَّذِي هُوَ أَدْنَىٰ } أي : أدون قدراً ، وأصل الدنو القرب في المكان ، فاستعير للخسة ، كما استعير البعد للشرف والرفعة ، فقيل : بعيد الهمة . { بِٱلَّذِي هُوَ خَيْرٌ } أي : بقابلة ما هو خير ، أي أرفع وأجل ، وهو المن الذي فيه الحلاوة التي تألفها أغلب الطباع البشرية ، والسلوى من أطيب لحوم الطير ، وفي مجموعهما غذاء تقوم به البنية . وليس فيما طلبوه ما يساويهما لذة ولا تغذية { ٱهْبِطُواْ مِصْراً } هكذا هو منون مصروف مكتوب بالألف في المصاحف الأئمة العثمانية ، وهو قراءة الجمهور ، بالصرف . قال ابن جرير : ولا أستجيز القراءة بغير ذلك ، لإجماع المصاحف على ذلك ؛ أي : من الأمصار ، أي انحدروا إليه { فَإِنَّ لَكُمْ } فيها { مَّا سَأَلْتُمْ } أي : فإن الذي سألتم يكون في الأمصار لا في القفار ، والمعنى أن هذا الذي سألتم ليس بأمر عزيز ، بل هو كثير ، في أي بلد دخلتموها وجدتموه . فليس يساوي مع دناءته ، وكثرته في الأمصار أن أسأل الله فيه . ولما حكى الله تعالى إنكار موسى عليه السلام على اليهود استبدالهم الذي هو أدنى بالذي هو خير ، بعد تعداد النعم ، جاء بحكاية سوء صنيعهم بالأنبياء ، وكفرهم ، واعتدائهم ، وضرب الذلة عليهم لذلك ، استطراداً فقال : { وَضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ ٱلذِّلَّةُ وَٱلْمَسْكَنَةُ } فمن هنا إلى قوله : { فَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ } معترض في خلال القصص المتعلقة بحكاية أحوال بني إسرائيل الذين كانوا في عهد موسى ، يدل هذا على قوله : { ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَانُواْ يَكْفُرُونَ بِآيَاتِ ٱللَّهِ وَيَقْتُلُونَ ٱلنَّبِيِّينَ } فإن قتل الأنبياء إنما كان من فروعهم وذريتهم . والذلة : بالكسر الصغار والهوان والحقارة ، والذل : بالضم ضد العز . والمسكنة مفعلة من السكون ، لأن المسكين قليل الحركة والنهوض ، لما به من الفقر . والمسكين مفعيل منه - كذا في السمين ، وفي الذلة استعارة بالكناية حيث شبهت بالقبة في الشمول والإحاطة ، أو شبهت الذلة بهم بلصوق الطين بالحائط في عدم الانفكاك . وهذا الخبر الذي أخبر الله تعالى به هو معلوم في جميع الأزمنة ، فإن اليهود أذلّ الفرق ، وأشدهم مسكنة ، وأكثرهم تصاغراً ، لم ينتظم لهم جمع ، ولا خفقت على رؤوسهم راية ، ولا ثبتت له ولاية ، بل ما زالوا عبيد العصى في كل زمن ، وطروقة كل فحل في كل عصر ، ومن تمسك منهم بنصيب من المال ، وإن بلغ في الكثرة أي مبلغ ، فهو مرتدٍ بأثواب المسكنة . { وَبَآءُو بِغَضَبٍ مِّنَ ٱللَّهِ } أي : رجعوا به ، أي : صار عليهم ، أو صاروا أحقاء به . من قولهم : باء فلان بفلان ، أي : صار حقيقاً أن يقتل بمقابلته . فالباء على التقديرين صلة باؤوا ، لا للملابسة . وإلا لاحتيج اعتبار المرجوع إليه ، ولا دلالة في الكلام عليه { ذَلِكَ } إشارة إلى ما سلف من ضرّب الذلة والمسكنة والبوء بالغضب العظيم { بِأَنَّهُمْ } بسبب أنهم { كَانُواْ يَكْفُرُونَ بِآيَاتِ ٱللَّهِ } الباهرة التي ظهرت على يدي عيسى ومحمد عليهما الصلاة والسلام { وَيَقْتُلُونَ ٱلنَّبِيِّينَ بِغَيْرِ ٱلْحَقِّ } كزكريا ويحيى عليهما السلام . وقتل الأنبياء في بني إسرائيل كان ظاهراً ، ولم يذكر قتل رسول من الرسل . وذلك - والله أعلم - لقوله : { إِنَّا لَنَنصُرُ رُسُلَنَا } [ غافر : 51 ] وقوله : { إِنَّهُمْ لَهُمُ ٱلْمَنصُورُونَ } [ الصافات : 172 ] وقال قوم : لم يقتل أحد من الرسل ، وإنما قتل الأنبياء ، أو رسل الرسل . والله أعلم . كذا في التأويلات . وقوله : { بِغَيْرِ ٱلْحَقِّ } لم يخرج مخرج التقييد ، حتى يقال : إنه لا يكون قتل الأنبياء بحق في حال من الأحوال ، لمكان العصمة . بل المراد نعي هذا الأمر عليهم ، وتعظيمه ، وأنه ظلم بحت في نفس الأمر ، حملهم عليه اتباع الهوى ، وحب الدنيا ، والغلوّ في العصيان والاعتداء ، كما يفصح عنه قوله تعالى : { ذٰلِكَ بِمَا عَصَواْ وَّكَانُواْ يَعْتَدُونَ } أي : جرّهم العصيان والتمادي في العدوان إلى ما ذكر من الكفر ، وقتل الأنبياء عليهم السلام . وقيل : كررت الإشارة للدلالة على أن ما لحقهم ، كما أنه بسبب الكفر والقتل ، فهو بسبب ارتكابهم المعاصي ، واعتدائهم حدود الله تعالى . وعليه فيكون ذكر علل إنزال العقوبة بهم في نهاية حسن الترتيب ، إذ بدئ أولاً بما فعلوه في حق الله تعالى وهو كفرهم بآياته . ثم ثُنِّي بما يتلوه في العظم ، وهو قتل الأنبياء . ثم بما يكون منهم من المعاصي التي تخصهم . ثم بما يكون منهم من المعاصي المتعدية إلى الغير ، مثل الاعتداء . وهذا من لطائف أسلوب التنزيل . ثم أعلم تعالى بأن باب التوبة مفتوح على الوجه العامّ لليهود وغيرهم . وأن من ارتكب كبائر الذنوب التي تستوجب الغضب الإلهيّ ، وضربَ الذلة والمسكنة ، كما حل باليهود ، إذا آمن وتاب فله في الدنيا والآخرة ما للمؤمنين . وعادة التنزيل جارية بأنه متى ذكر وعد أو وعيد ، عقب بضده ليكون الكلام تاماً فقيل : { إِنَّ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَٱلَّذِينَ هَادُواْ وَٱلنَّصَارَىٰ وَٱلصَّابِئِينَ مَنْ … } .