Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 2, Ayat: 9-9)
Tafsir: Maḥāsin at-Taʾwīl
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قال القاشاني : المخادعة استعمال الخدع من الجانبين . وهو إظهار الخير ، واستبطان الشر . ومخادعة الله مخادعة رسوله ، لقوله : { مَّنْ يُطِعِ ٱلرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ ٱللَّهَ } [ النساء : 80 ] فخداعهم لله وللمؤمنين إظهار الإيمان والمحبة ، واستبطان الكفر والعداوة ، وخداع الله والمؤمنين إياهم مسالمتهم ، وإجراء أحكام الإسلام عليهم ، بحقن الدماء وحصن الأموال وغير ذلك . وادخّار العذاب الأليم ، والمآل الوخيم ، وسوء المغبة لهم ، وخزيهم في الدنيا لافتضاحهم بإخباره تعالى وبالوحي عن حالهم ، لكن الفرق بين الخداعين : أن خداعهم لا ينجح إلا في أنفسهم ، بإهلاكها وتحسيرها ، وإيراثها الوبال والنكال - بازدياد الظلمة ، والكفر ، والنفاق ، واجتماع أسباب الهلكة ، والبعد والشقاء ، عليها - وخداع الله يؤثر فيهم أبلغ تأثير ، ويوبقهم أشدّ إيباق ، كقوله : { وَمَكَرُواْ وَمَكَرَ ٱللَّهُ وَٱللَّهُ خَيْرُ ٱلْمَاكِرِينَ } [ آل عمران : 54 ] وهم - من غاية تعمقهم في جهلهم - لا يحسون بذلك الأمر الظاهر . وقرأ ابن كثير ، ونافع ، وأبو عمرو : " وَما يُخَادِعُونَ " بالألف . قال ابن كثير : نبه الله سبحانه على صفات المنافقين ، لئلا يغترّ بظاهر أمرهم المؤمنون ، فيقع بذلك فساد عريض - من عدم الاحتراز منهم ، ومن اعتقاد إيمانهم ، وهم كفَّار في نفس الأمر - وهذا من المحذورات : أن يُظَنَّ بأهل الفجور خيرٌ . ثم إن قول من قال : كان عليه الصلاة والسلام يعلم أعيان بعض المنافين - إنما مستنده حديث حذيفة بن اليمان في تسمية أولئك الأربعة عشر منافقاً - في غزو تبوك - الذين همُّوا أن يفتكوا برسول الله صلى الله عليه وسلم في ظلماء الليل عند عقبة هناك ، عزموا على أن ينفِّروا به الناقة ، ليسقط عنها ، فأوحى الله إليه أمرهم ، فأطلع على ذلك حذيفة . فأما غير هؤلاء ، فقد قال الله تعالى : { وَمِمَّنْ حَوْلَكُمْ مِّنَ ٱلأَعْرَابِ مُنَٰفِقُونَ وَمِنْ أَهْلِ ٱلْمَدِينَةِ مَرَدُواْ عَلَى ٱلنِّفَاقِ لاَ تَعْلَمُهُمْ } [ التوبة : 101 ] الآية . وقال تعالى : { لَّئِن لَّمْ يَنتَهِ ٱلْمُنَافِقُونَ وَٱلَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَّرَضٌ وَٱلْمُرْجِفُونَ فِي ٱلْمَدِينَةِ لَنُغْرِيَنَّكَ بِهِمْ ثُمَّ لاَ يُجَاوِرُونَكَ فِيهَآ إِلاَّ قَلِيلاً } [ الأحزاب : 60 ] ففيها دليل على أنه لم يغر بهم ولم يدرك على أعيانهم ، وإنما كان تُذْكَرُ له صفاتهم ، فيتوسمها في بعضهم ، كما قال تعالى : { وَلَوْ نَشَآءُ لأَرَيْنَاكَهُمْ فَلَعَرَفْتَهُم بِسِيمَاهُمْ وَلَتَعْرِفَنَّهُمْ فِي لَحْنِ ٱلْقَوْلِ وَٱللَّهُ يَعْلَمُ أَعْمَالَكُمْ } [ محمد : 30 ] . وقد كان من أشهرهم بالنفاق ، عبد الله بن أبي بن سلول . واستند - غير واحد من الأئمة - في الحكمة عن كفه صلى الله عليه وسلم عن قتل المنافقين ، بما ثبت في الصحيحين أنه صلى الله عليه وسلم قال لعمر رضي الله عنه : " أكره أن يتحدث العرب أنَّ محمداً يقتل أصحابه " ومعناه خشية أن يقع بسبب ذلك تنفيرٌ لكثير من الأعراب عن الدخول في الإسلام ، ولا يعلمون حكمة قتلهم - بأنَّه لأجل كفرهم - فإنهم إنما يأخذونه بمجرد ما يظهر لهم ، فيقولون : إن محمداً يقتل أصحابه .