Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 20, Ayat: 133-133)
Tafsir: Maḥāsin at-Taʾwīl
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
{ وَقَالُواْ لَوْلاَ يَأْتِينَا بِآيَةٍ مِّن رَّبِّهِ } يعنون ما تعنتوا في اقتراحه مما تقدم ، في سورة بني إسرائيل ، من قوله تعالى : { وَقَالُواْ لَن نُّؤْمِنَ لَكَ حَتَّىٰ تَفْجُرَ لَنَا مِنَ ٱلأَرْضِ يَنْبُوعاً * أَوْ تَكُونَ لَكَ جَنَّةٌ مِّن نَّخِيلٍ وَعِنَبٍ … } [ الإسراء : 90 - 91 ] الآية . وقوله تعالى : { أَوَلَمْ تَأْتِهِمْ بَيِّنَةُ مَا فِي ٱلصُّحُفِ ٱلأُولَىٰ } أي : أو لم يأتهم بيان ما في الكتب التي قبل هذا الكتاب ، من أنباء الأمم من قبلهم التي أهلكناهم لما سألوا الآيات ، فكفروا بها لما أتتهم ، كيف عجلنا لهم العذاب وأنزلنا بهم بأسنا بكفرهم بها . يقول : فماذا يؤمنهم إن أتتهم الآية ، أن يكون حالهم حال أولئك . هذا ما قاله ابن جرير . وذهب غيره إلى أن المعنى : أو لم يأتهم آية هي أم الآيات وأعظمها ، وهي معجزة القرآن المبينة لما في الكتب الأولى من التوراة والإنجيل والزبور . مع أن الآتي بها أّمّيُّ لم يرها ولم يتعلم ممن علمها . فنقب منها على الصحيح من أنبائها فصدقه ، وعلى الباطل المحرف فَفَنَّدَهُ . وفيه إشعار بكفاية التنزيل في الإعجاز والبرهان كما قال تعالى في سورة العنكبوت : { وَقَالُواْ لَوْلاَ أُنزِلَ عَلَيْهِ آيَاتٌ مِّن رَّبِّهِ قُلْ إِنَّمَا ٱلآيَاتُ عِندَ ٱللَّهِ وَإِنَّمَآ أَنَاْ نَذِيرٌ مُّبِينٌ * أَوَلَمْ يَكْفِهِمْ أَنَّآ أَنزَلْنَا عَلَيْكَ ٱلْكِتَابَ يُتْلَىٰ عَلَيْهِمْ إِنَّ فِي ذٰلِكَ لَرَحْمَةً وَذِكْرَىٰ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ } [ العنكبوت : 50 - 51 ] ولذلك قال أحد حكماء الإسلام : إن الخارق للعادة الذي يعتمد عليه الإسلام في دعوته إلى التصديق برسالة النبيّ صلى الله عليه وسلم هو الخارق الذي تواتر خبره ولم ينقطع أثره . وهو الدليل وحده . وما عداه مما ورد في الأخبار ، سواء صح سندها أو اشتهر أو ضعف أو وهي ، فليس مما يوجب القطع عند المسلمين . فإذا أورد في مقام الاستدلال ، فهو على سبيل التقوية للعقد لمن حصل أصله ، وفضلٌ من التأكيد لمن سلمه من أهله . ذلك الخارق المتواتر المعول عليه في الاستدلال لتحصيل اليقين ، هو القرآن وحده . والدليل على أنه معجزة خارقة للعادة ، تدل على أن موحيه هو الله وحده وليس من اختراع البشر ، هو أنه جاء على لسان أميّ لم يتعلم الكتاب ولم يمارس العلوم ، وقد نزل على وتيرة واحدة هاديا للضال ، مقوماً للمعوج ، كافلاً بنظام عام لحياة من يهتدي به من الأمم ، منقذاً لهم من خسران كانوا فيه . وهلاك كانوا أشرفوا عليه . وهو مع ذلك من بلاغة الأسلوب على ما لم يرتق إليه كلام سواه ، حتى لقد دعى الفصحاء والبلغاء أن يعارضوه بشيء من مثله ، فعجزوا ولجؤوا إلى المجالدة بالسيوف ، وسفك الدماء واضطهاد المؤمنين به ، إلى أن ألجؤوهم إلى الدفاع عن حقهم ، وكان من أمرهم ما كان من انتصار الحق على الباطل وظهور شمس الإسلام تمد عالمها بأضوائها ، وتنشر أنوارها في جوائها . وهذا الخارق قد دعا الناس إلى النظر فيه بعقولهم . وطولبوا بأن يأتوا في نظرهم على آخر ما تنتهي إليه قوتهم ؛ فإما وجدوا طريقاً لإبطال إعجازه أو كونه لا يصلح دليلاً على المدعي ، فعليهم أن يأتوا به قال تعالى : { وَإِن كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِّمَّا نَزَّلْنَا عَلَىٰ عَبْدِنَا فَأْتُواْ بِسُورَةٍ مِّن مِّثْلِهِ } [ البقرة : 23 ] وقال : { أَفَلاَ يَتَدَبَّرُونَ ٱلْقُرْآنَ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِندِ غَيْرِ ٱللَّهِ لَوَجَدُواْ فِيهِ ٱخْتِلاَفاً كَثِيراً } [ النساء : 82 ] وقال غير ذلك ، مما هو مطالبة بمقاومة الحجة بالحجة . ولم يطالبهم بمجرد التسليم على رَغْمٍ من العقل . معجزة القرآن جامع من القول والعلم . وكل منهما مما يتناوله العقل بالفهم . فهي معجزة عرضت على العقل وعرفته القاضي فيها ، وأطلقت له حق النظر في أنحائها . ونشر ما انطوى في أثنائها . وله منها حظه الذي لا ينتقص . فهي معجزة أعجزت كل طوق أن يأتي بمثلها . ولكنها دعت كل قدرة أن تتناول ما تشاء منها . أما معجزة موت حيّ بلا سبب معروف للموت ، أو حياة ميت أو إخراج شيطان من جسم ، أو شفاء علة من بدن ، فهي مما ينقطع عنده العقل ويجمد لديه الفهم . وإنما يأتي بها الله على يد رسله لإسكات أقوام غلبهم الوهم ولم تضئ عقولهم بنور العلم . وهكذا يقيم الله بقدرته من الآيات للأمم على حسب الاستعدادات . وقال فاضل آخر : قضت مراحم الله جل شانه أن يكوّن الأكوان في الطبيعة على ترتيب محكم ، ينطلق بلسان الصمت للمتبصر ، ويظهر بلباس الوضوح للمتفكر ، ويحبب إليه الانتقال منه إلى غيره بدون أن يشعر بملل ولا سآمة ، ولا يؤوب من استبصاره بندامة بدون هذا الاعتبار بالعقل ، لا يأتي للنفس أن تصح عقيدتها ، ولا يتأتى لها تبعاً لذلك أن تسكن من اضطرابها . هذا ، ولا ننكر أنه قد مضى على النوع الإنسانيّ زمن كان فيه العقل في دور الطفولية . وكان يكفيه في الإيمان أن يندهش لأمر خارق للطبيعة ، يعطل من سير نواميسها وقتاً مَّا . وكان الله سبحانه وتعالى يرأف بعباده فيرسل إليهم رسلاً يمتعهم بخصائص تعجز عن اكتناه سرها عقولهم . وتندهش لها ألبابهم ، فيستدلون بهذه المعجزات على صدق الرسول وضرورة اتباعه ، وأما الآن ، حيث بلغ العقل أشده ، والنوع الإنسانيّ رشده ، فلا تجدي فيه معجزة ، ولا تنفع فيه غريبة . لأن الشكوك قد كثرت مع كثرة الموادّ العلمية . فإن حدث حادث من هذا القبيل رموا فاعله بالتدليس أوّلاً ، ثم إذا ظهر لهم براءته منه أخذوا يعللون معجزته بكل أنواع التعليلات . هذا من جهة . ومن جهة أخرى ، فإن طائفة الاسبيريت الروحيين في أوربا ، تعمل الآن من الأعمال المدهشة الخارقة لنواميس الطبيعة ، ما لو رآه الجهلاء لظنوا به أنه من أكبر المعجزات ، من أن القوم لا يدَّعون النبوة ، ولا يزعمون الرسالة . نعم ، لا ننكر أن أعمال هذه الطائفة ليست من نوع معجزات الأنبياء عليهم الصلاة والسلام ولكنه بدون شك ، يقلل من أهميتها في نظر الذين يقفون مع ظواهر الأشياء . ومما يدل على أن هذه القرون الأخيرة لا تروج فيها مسائل المعجزات ، تكذيب علماء أوربا بكل المعجزات السابقة . وهو ، وإن كان تهوراً منهم ، إلا أنهم مصيبون في قولهم : إننا في زمان لا يجدي فيه الاعتقاد إلا النور العقليّ والدليل العلميّ ، لهذه الأسباب جاءت الشريعة الإسلامية تدعو إلى السبيل الحق ، ببدائه العقل ، وقواعد العلم . صارفة النظر عن المعجزات وإظهار المدهشات . لعلم الله سبحانه وتعالى بأنه سيأتي زمان تؤثر فيه المقررات العلمية على القوة العقلية ، ما لا تؤثر عليها الخوارق للنواميس الطبيعية . انتهى . ثم أشار تعالى إلى منته في إرسال الرسول صلوات الله عليه ، والإعذار ببعثته ، بقوله سبحانه : { وَلَوْ أَنَّآ أَهْلَكْنَاهُمْ … } .