Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 20, Ayat: 61-63)

Tafsir: Maḥāsin at-Taʾwīl

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

{ قَالَ لَهُمْ مُّوسَىٰ } أي : مقدماً لهم النصح والإنذار ؛ لينقطع عذرهم { وَيْلَكُمْ لاَ تَفْتَرُواْ عَلَى ٱللَّهِ كَذِباً } أي : لا تخيلوا للناس بأعمالكم ، إيجاد أشياء لا حقائق لها ، وأنها مخلوقة وليست مخلوقة . فتكونوا قد كذبتم على الله تعالى : { فَيُسْحِتَكُم } أي : يستأصلكم { بِعَذَابٍ } أي : هائل لغضبه عليكم { وَقَدْ خَابَ مَنِ ٱفْتَرَىٰ * فَتَنَازَعُوۤاْ أَمْرَهُمْ بَيْنَهُمْ وَأَسَرُّواْ ٱلنَّجْوَىٰ * قَالُوۤاْ } أي : بطريق التناجي والإسرار { إِنْ هَـٰذَانِ لَسَاحِرَانِ يُرِيدَانِ أَن يُخْرِجَاكُمْ مِّنْ أَرْضِكُمْ بِسِحْرِهِمَا وَيَذْهَبَا بِطَرِيقَتِكُمُ ٱلْمُثْلَىٰ } أي : بمذهبكم الأفضل . وهو ما كانوا عليه . يعنون أن قصد موسى وهارون هو عزل فرعون عن ملكه ، بجعله عبدا لغيره ، واستقرارهما في مكانه ، وجعل قومهما مكانكم . وإلجائكم إلى مبارحة أرضكم ، وإبطال طريقتكم بسحرهما الذي يريدان إعجازكم به . و { ٱلْمُثْلَىٰ } تأنيث الأمثل ، بمعنى : الأفضل . ودعواهم ذلك ، لأن كل حزب بما لديهم فرحون . لطيفة في قوله تعالى : { إِنْ هَـٰذَانِ لَسَاحِرَانِ } قراءات : الأولى : { إِنْ هَـٰذَانِ لَسَاحِرَانِ } بتشديد النون من { إِنَّ } و { هَذَيْنِ } بالياء وهي قراءة أبي عمرو ، وهي جارية على السَّنَنِِ المشهور في عمل { إِنَّ } . والثانية : { إِنْ هَـٰذَانِ لَسَاحِرَانِ } بتحفيف { إِنَّ } وإهمالها عن العمل ، كما هو الأكثر فيها إذا خففت . وما بعدها مرفوع بالابتداء والخبر . واللام لام الابتداء فرقاً بينها وبين النافية . ويرى الكوفيون أن اللام هذه بمعنى ( إِلاَّ ) و { إِنْ } قبلها نافية ، واستدلوا على مجيء اللام للاستثناء بقوله : @ أمس أبانُ ذليلاً بعد عِزَّتِهِ وما أبانُ لَمِنْ أعلاج سُودَانِ @@ والثالثة : { إِنْ هَـٰذَانِ لَسَاحِرَانِ } بتشديد { إِنَّ } و { هَـٰذَانِ } بالألف . وخرّجت على أوجه : أحدها : موافقة لغة من يأتي في المثنى بالألف في أحواله الثلاث . وهم بنو الحارث بن كعب وخثعم وَزُبَيْد وكنانة وآخرون . قال قائلهم : @ تَزَوَّدَ مِنَّا بين أُذْنَاهُ طَعْنَةً @@ وقال آخر : @ إنَّ أَبَاهَا وَأَبَا أَبَاهَا قد بلَغَا فِي الْمَجْدِ غَايَتَاهَا @@ ثانيها : إِنَّ ( إِنَّ ) بمعنى ( نعم ) حكاه المبرد . واستدل بقول الراجز : @ يا عمر الخير جُزِيتَ الجَنَّهْ اكسُ بُنَيَّاتي وَأُمَّهُنَّهْ وَقُلْ لَهُنَّ : إِنَّ أَنَّ إِنَّهْ أُقْسِمُ باللهِ لَتَفْعَلَنَّهْ @@ وقول عبد الله بن قيس الرُّقَيَّات : @ ويَقُلْنَ شيب قد علا ك وقد كَبرْتَ فقلتُ إِنَّهُ @@ وردَّ على المبرد أبو علي الفارسيّ ، بأنه لم يتقدم ما يجاب بـ ( نعم ) وأجاب الشمنّي ، بأن التنازع فيما بينهم ، وإسرار النجوى ، يتضمن استخبار بعضهم من بعض . فهو جواب للاستخبار الضمنيّ . ولا يخفى بعده . فإن إسرار النجوى فيما بينهم ليس في الاستخبار عن كونهما ساحرين ، بل هم جزموا بالسحر فقالوا : { أَجِئْتَنَا لِتُخْرِجَنَا مِنْ أَرْضِنَا بِسِحْرِكَ } [ طه : 57 ] ثم أسروا النجوى فيما يغلبان به موسى . إلا أن يقال : محطّ الجواب قوله : { فَأَجْمِعُواْ كَيْدَكُمْ } [ طه : 64 ] الخ ، وما قبله توطئة . وقد رد في ( المغني ) هذا التخريج ؛ بأن مجيء ( نعم ) شاذ حتى نفاه بعضهم . ومنعه الدمامينيّ ؛ بأن سيبويه والحذّاق حكوه عن الفصحاء . وعليه ، فاللام في { لَسَاحِرَانِ } لام الابتداء ، زحلقت للخبر . وأبى البصريون دخولها على الخبر . وزعموا أنها في مثله داخلة على مبتدأ محذوف ، أو زائدة ، أو دخلت مع ( إن ) التي بمعنى ( نعم ) لشبهها بالمؤكدة لفظاً . وأقول : فيه تكلف . والشواهد على اقتران الخبر باللام كثيرة . وثالثها : أنه لما كان الإعراب لا يظهر في الواحد ، وهو ( هذا ) جعل كذلك في التثنية ، ليكون المثنى كالمفرد . لأنه فرع عليه . واختار هذا القول الإمام العلامة تقيّ الدين أبو العباس أحمد بن تيمية رحمه الله تعالى ، وزعم أن بناء المثنى ، إذا كان مفرده مبنيّاً ، أفصح من إعرابه قال : وقد تفطن لذلك غير واحد من حذاق النحاة . ثم اعترض بأمرين : أحدهما : أن السبعة أجمعوا عل الياء في قوله تعالى : { إِحْدَى ٱبْنَتَيَّ هَاتَيْنِ } [ القصص : 27 ] مع أن هاتين تثنية ( هاتا ) وهو مبنيّ . والثاني : أن ( الذي ) مبني وقد قالوا في تثنيته ( اللَّذَيْنِ ) في الجر والنصب . وهي لغة القرآن ، كقوله تعالى : { رَبَّنَآ أَرِنَا ٱلَّذَيْنِ أَضَلاَّنَا } [ فصلت : 29 ] وأجاب الأول ؛ بأنه إنما جاء { هَاتَيْنِ } بالياء على لغة الإعراب لمناسبة ( ابنتيّ ) قال : فالإعراب هنا أفصح من البناء ، لأجل المناسبة . كما أن البناء في { إِنْ هَـٰذَانِ لَسَاحِرَانِ } أفصح من الإعراب لمناسبة الألف في { هَـٰذَانِ } للألف في { لَسَاحِرَانِ } . وأجاب عن الثاني بالفرق بين ( اللذان ) و ( هذان ) بأن ( اللَّذان ) تثنية اسم ثلاثيّ ، فهو شبيه ( بالزيدان ) و ( هذان ) تثنية اسم على حرفين . فهو عريق في البناء لشبهه بالحروف . قال رحمه الله : وقد زعم قوم أن قراءة من قرأ : { إِنْ هَـٰذَانِ } لحن وإن عثمان رضي الله عنه قال : ( إن في المصحف لحنا وستقيمه العرب بألسنتها ) . وهذا خبر باطل لا يصح من وجوه : أحدها : إن الصحابة كانوا يتسارعون إلى إنكار أدنى المنكرات ، فكيف يقرّون اللحن في القرآن ، مع أنهم لا كلفة عليهم في إزالته ؟ والثاني : أن العرب كانت تستقبح اللحن غاية الاستقباح في الكلام , فكيف لا يستقبحون بقاءه في المصحف ؟ والثالث : أن الاحتجاج بأن العرب ستقيمه بألسنتها غير مستقيم . لأن المصحف الكريم يقف عليه العربيّ والعجميّ . والرابع : أنه قد ثبت في الصحيح أن زيد بن ثابت أراد أن يكتب ( التابوت ) بالهاء على لغة الأنصار ، فمنعوه من ذلك ورفعوه إلى عثمان رضي الله عنهم . فأمرهم أن يكتبوه بالتاء على لغة قريش . ولما بلغ عمر رضي الله عنه أن ابن مسعود رضي الله عنه قرأ : عَتَّى حِين ، على لغة هذيل ، أنكر ذلك عليه وقال : أقرئ الناس بلغة قريش . فإن الله تعالى إنما أنزله بلغتهم ، ولم ينزله بلغة هذيل . انتهى كلام تقيّ الدين مخلصاً . هذا حاصل ما في ( المغني ) و ( الشذور ) و ( حواشيهما ) وفي الآية وجوه أخرى استقصتها المطولات . وما ذكرناه أرقها . وقوله تعالى : { فَأَجْمِعُواْ كَيْدَكُمْ … } .