Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 20, Ayat: 76-76)
Tafsir: Maḥāsin at-Taʾwīl
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
{ جَنَّاتُ عَدْنٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا ٱلأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَذٰلِكَ جَزَآءُ مَن تَزَكَّىٰ } أي : تطهر من دنس الكفر والمعاصي ، بما ذكر من الإيمان والأعمال الصالحة . لطائف من ( الكشاف ) و ( حواشيه للناصر ) . الأولى : في تخيير السحرة بين إلقاء موسى وإلقائهم ، استعمال أدب حسن معه ، وتواضع له وخفض جناح . وتنبيه على إعطائهم النصفة من أنفسهم . وكأن الله عز وعلا ألهمهم ذلك ، وعلم موسى - صلوات الله عليه - اختيار إلقائهم ، أوّلاً ، مع ما فيه من مقابلة أدب بأدب ، حتى يبرزوا ما معهم من مكايد السحر ، ويستنفدوا أقصى طرقهم ومجهودهم . فإذا فعلوا أظهر الله سلطانه ، وقذف بالحق على الباطل فدمغه ، وسلط المعجزة على السحر فمحقته ، وكانت آية نيرة للناظرين . وعبرة بينة للمعتبرين . وقبل ذلك تأدبوا معه بقولهم : { فَٱجْعَلْ بَيْنَنَا وَبَيْنَكَ مَوْعِداً لاَّ نُخْلِفُهُ } [ طه : 58 ] ففوضوا ضرب الموعد إليه . وكما ألهم الله عز وجل موسى ها هنا ، أن يجعلهم مبتدئين بما معهم ، ليكون إلقاؤه العصا ، بعدُ ، قذفاً بالحق على الباطل فيدمغه فإذا هو زاهق ، كذلك ألهمه من الأول ، أن يجعل موعدهم يوم زينتهم وعيدهم ؛ ليكون الحق أبلج على رؤوس الأشهاد ، فيكون أفضح لكيدهم وأهتك لستر حرمهم . الثانية : جوز في إِيثار قوله تعالى : { مَا فِي يَمِينِكَ } [ طه : 69 ] على : { عَصَاكَ } وجهان : أحدها : أن يكون تعظيما لها . أي : لا تحتفل بهذه الأجرام الكبيرة الكثيرة . فإِن في يمينك شيئا أعظم منها كلها . وهذه على كثرتها أقل شيء وأنزره عنده ، فألقه يتلقفها بإذن الله ويمحقها . وثانيهما : أن يكون تصغيراً لها أن لا تبال بكثرة حبالهم وعصيهم . وألق العُوَيْد الفرد الصغير الجرم الذي في يمينك . فإِنه بقدرة الله يتلقفها على وحدته وكثرتها ، وصغره وعظمها . وإِنما المقصود بتحقيرها في جنب القدرة ، تحقير كيد السحرة بطريق الأولى . لأنها إذا كانت أعظمُ مُنَّةً وهي حقيرة في جانب قدرة الله تعالى ، فما الظن بكيدهم وقد تلقفته هذه الحقيرة الضئيلة ؟ ولأصحاب البلاغة طريق في علوّ المدح بتعظيم جيش عدوّ الممدوح ، ليلزم من ذلك تعظيم جيش الممدوح وقد قهره واستولى عليه . فصغر الله أمر العصا ، ليلزم منه كيد السحرة الداحض بها في طرفة عين . واعلم أنه لا بد من نكتة تناسب الأمرين - التعظيم والتحقير - وتلك ، والله أعلم ، هي إرادة المذكور مبهما ؛ لأن { مَا فِي يَمِينِكَ } [ طه : 69 ] أبهم مِنْ { عَصَاكَ } وللعرب مذهب في التنكير والإبهام ، والإجمال ، تسلكه مرة لتحقير شأن ما أبهمته ، وأنه عند الناطق به أهون من أن يخصه ويوضحه . ومره لتعظيم شأنه ، وليؤذن أنه من عناية المتكلم والسامع بمكان ، يغني فيه الرمز والإِشارة . فهذا هو الوجه في إِسعاده بهما جميعاً . ثم قال الناصر : وعندي في الآية وجه سوى قصد التعظيم والتحقير . والله أعلم . وهو ؛ أن موسى عليه السلام ، أول ما علم أن العصا آية من الله تعالى ، عندما سأله عنها بقوله تعالى : { وَمَا تِلْكَ بِيَمِينِكَ يَا مُوسَى } ثم أظهر له تعالى آيتها ، فلما دخل وقت الحاجة إلى ظهور الآية منها ، قال تعالى : { وَأَلْقِ مَا فِي يَمِينِكَ } [ طه : 69 ] ليتيقظ بهذه الصيغة للوقت الذي قال الله تعالى له : { وَمَا تِلْكَ بِيَمِينِكَ } [ طه : 17 ] وقد أظهر له آيتها ، فيكون ذلك تنبيهاً له وتأنيساً ، حيث خوطب بما عهد أن يخاطب به وقت ظهور آيتها . وذلك مقام يناسب التأنيس والتثبيت . ألا ترى إلى قوله تعالى : { فَأَوْجَسَ فِي نَفْسِهِ خِيفَةً مُّوسَىٰ } [ طه : 67 ] ؟ انتهى . ولأبي حيان نكتة أخرى : وهي ما في اليمين من الإشعار باليمن والبركة . ولا يقال جاء في سورة الأعراف : { أَلْقِ عَصَاكَ } [ الأعراف : 117 ] والقصة واحدة . لأنه يجاب بأنه مانع من رعاية هذه النكتة فيما وقع هنا ، وحكاية ما جاء بالمعنى . هذا وقال الشهاب الخفاجي : فيما ذكروه نظر لأنه إنما يتم إذا كان الخطاب بلفظ عربيّ أو مرادفٍ له ، يجري فيه ما يجري فيه . والأول خلاف الواقع . والثاني دونه خرط القتاد ، فتأمل . أقول : إِنما استبعد الثاني ؛ لتوهم أن لا بلاغة ولا نكات إلا في اللغة العربية . مع أن الأمر ليس كذلك . وحينئذ فيتعين الثاني . وهو ظاهر . وبه تستعاد تلك اللطائف . ثم أشار تعالى إلى عنايته بموسى وقومه ، من إِنجائهم وإِهلاك عدوهم ، وقد طوى هنا ما فصل في آيات أخر ، بقوله سبحانه : { وَلَقَدْ أَوْحَيْنَا … } .