Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 20, Ayat: 96-97)

Tafsir: Maḥāsin at-Taʾwīl

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

{ قَالَ بَصُرْتُ بِمَا لَمْ يَبْصُرُواْ بِهِ } أي : فطنت لما لم يفطنوا له { فَقَبَضْتُ قَبْضَةً مِّنْ أَثَرِ ٱلرَّسُولِ فَنَبَذْتُهَا } أي : في الحليّ المذاب حتى حَيَّ { وَكَذٰلِكَ سَوَّلَتْ لِي نَفْسِي } أي : حسّنته وزينته { قَالَ فَٱذْهَبْ فَإِنَّ لَكَ فِي ٱلْحَيَاةِ أَن تَقُولَ لاَ مِسَاسَ وَإِنَّ لَكَ } أي : لعذابك { مَوْعِداً لَّن تُخْلَفَهُ وَٱنظُرْ إِلَىٰ إِلَـٰهِكَ ٱلَّذِي ظَلْتَ عَلَيْهِ عَاكِفاً لَّنُحَرِّقَنَّهُ ثُمَّ لَنَنسِفَنَّهُ فِي ٱلْيَمِّ نَسْفاً } أي : لنطيّرنّه رماداً في البحر ، بحيث لا يبقى منه عين ولا أثر . تنبيهات الأول : اعلم أن هارون عليه السلام ، سلك في هذا الوعظ أحسن الوجوه . لأنه زجرهم عن الباطل ، أوّلاً بقوله : { إِنَّمَا فُتِنتُمْ بِهِ } [ طه : 90 ] ، ثم دعاهم لمعرفة الله تعالى ثانياً بقوله : { وَإِنَّ رَبَّكُمُ ٱلرَّحْمَـٰنُ } [ طه : 90 ] ، ثم دعاهم ثالثاً إلى معرفة النبوة بقوله تعالى : { فَٱتَّبِعُونِي } [ طه : 90 ] ، ثم دعاهم إلى الشرائع رابعاً بقوله : { وَأَطِيعُوۤاْ أَمْرِي } [ طه : 90 ] وهذا هو الترتيب الجيّد ؛ لأنه لا بد قبل كل شيء في إماطة الأذى عن الطريق ، وهو إزالة الشبهات . ثم معرفة الله تعالى ، فإنها هي الأصل . ثم النبوة ثم الشريعة . فثبت أن هذا الترتيب على أحسن الوجوه . أفاده الرازيّ . وقد برأ الله تعالى بهذه الآيات البينات ، هارون عليه السلام مما افتراه عليه كتبة التوراة ، من أنه هو السامريّ الذي اتخذ العجل وأمر بعبادته ، كما هو موجود عندهم . وهو من أعظم الفري ، بلا امترا . الثاني : عامة المفسرين قالوا : المراد بالرسول في قوله تعالى : { فَقَبَضْتُ قَبْضَةً مِّنْ أَثَرِ ٱلرَّسُولِ } هو جبريل عليه السلام . وأراد بأثره : التراب الذي أخذه من موضع حافر دابته . ثم اختلفوا : أن السامريّ متى رآه ؟ فقيل : إنما رآه يوم فلق البحر . وقيل : وقت ذهابه بموسى إلى الطور . واختلفوا أيضاً في : أن السامريّ كيف اختص برؤية جبريل عليه السلام ، ومعرفته من بين سائر الناس ؟ فقيل إنما عرفه لأنه رآه في صغره ، وحفظه من قتل آل فرعون له ، وكان ممن رباه . وكل هذا ليس عليه أثارة من علم ولا يدل عليه التنزيل الكريم . ولذا قال أبو مسلم الأصفهانيّ : ليس في القرآن تصريح بهذا الذي ذكره المفسرون . فههنا وجه آخر وهو : أن يكون المراد بالرسول : موسى عليه السلام . وبأثره سنته ورسمه الذي أمر به ، فقد يقول الرجل : فلان يقفو أثر ويقبض أثره ، إذا كان يمتثل رسمه . والتقدير : أن موسى عليه السلام لما أقبل على السامريّ باللوم ، والمسألة عن الأمر الذي دعاه إلى إضلال القوم في باب العجل ، فقال : { بَصُرْتُ بِمَا لَمْ يَبْصُرُواْ بِهِ } أي : عرفت أن الذي أنتم عليه ليس بحق ، وقد كنت قبضت قبضة من أثرك أيها الرسول ، أي : شيئاً من سنتك ودينك . فقذفته ، أي : طرحته . فعند ذلك أعلمه موسى عليه السلام بما له من العذاب في الدنيا والآخرة . وإنما أورد بلفظ الإخبار عن غائب ، كما يقول الرجل لرئيسه وهو مواجه له : ما يقول الأمير في كذا ؟ وبماذا يأمر الأمير ؟ وأما دعاؤه موسى عليه السلام رسولاً ، مع جحده وكفره ، فعلى مثل مذهب من حكى الله تعالى عنه قوله : { وَقَالُواْ يٰأَيُّهَا ٱلَّذِي نُزِّلَ عَلَيْهِ ٱلذِّكْرُ إِنَّكَ لَمَجْنُونٌ } [ الحجر : 6 ] وإن لم يؤمنوا بالإنزال . انتهى . قال الرازيّ : ما ذكره أبو مسلم أقرب إلى التحقيق مما ذكره المفسرون ، لوجوه : أحدها : أن جبريل عليه السلام ليس بمشهور باسم الرسول . ولم يجر له فيما تقدم ذكر ، حتى تجعل لام التعريف إشارة إليه . فإطلاق لفظ ( الرسول ) لإرادة جبريل عليه السلام ، كأنه تكليف بعلم الغيب . وثانيها : أنه لا بد فيه من الإضمار . وهو قبضة من أثر حافر فرس الرسول . والإضمار خلاف الأصل . وثالثها : أنه لا بد من التعسف في بيان أن السامريّ كيف اختص من بين جميع الناس برؤية جبريل عليه السلام ومعرفته ؟ ثم كيف عرف أن لِتُرَابِ حافر فرسه هذا الأثر ؟ والذي ذكروه من أن جبريل عليه السلام هو الذي رباه ، فبعيد . لأن السامريّ ، إن عرف جبريل حال كمال عقله ، عرف قطعاً أن موسى عليه السلام نبيّ صادق . فكيف يحاول الإضلال ؟ وإن كان ما عرفه حال بلوغ ، فأيّ منفعة لكون جبريل عليه السلام مربياً له حال الطفولية ، في حصول تلك المعرفة ؟ انتهى . التنبيه الثالث : في قوله تعالى : { لاَ مِسَاسَ } وجوه : أحدها : إني لا أَمَسُّ ولا أُمَسُّ . وثانيها : المراد المنع من أن يخالط أحداً أو يخالطه أحد ، عقوبة له . ثالثها : ما ذكره أبو مسلم من أنه يجوز في حمله : ( ما أريد مسي النساءَ ) فيكون من تعذيب الله إياه انقطاع نسله . فلا يكون له ولد يؤنسه ، فيخليه الله تعالى من زينتي الدنيا اللتين ذكرهما بقوله : { ٱلْمَالُ وَٱلْبَنُونَ زِينَةُ ٱلْحَيَاةِ ٱلدُّنْيَا } [ الكهف : 46 ] أي : لأن المسّ يكنى به عن النكاح كما في آية { مِن قَبْلِ أَن تَمَسُّوهُنَّ } [ البقرة : 237 ] والله أعلم . ولما فرغ موسى عليه السلام من إبطال ما دعا إليه السامريّ ، عاد إلى بيان الدين الحق ، فقال : { إِنَّمَا إِلَهُكُمُ … } .