Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 22, Ayat: 27-28)
Tafsir: Maḥāsin at-Taʾwīl
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
{ وَأَذِّن فِي ٱلنَّاسِ بِٱلْحَجِّ } أي : نَادِ فيهم به ، قال الزمخشري : والنداء بالحج أن يقول : حجوا ، أو عليكم بالحج { يَأْتُوكَ رِجَالاً } أي : مشاة ، جمع ( راجل ) { وَعَلَىٰ كُلِّ ضَامِرٍ } أي : ركباناً على كل بعير مهزول ، أتعبهُ بعد الشقة فهزله والعدول عن ( ركباناً ) الأخصر ، للدلالة على كثرة الآتين من الأماكن البعيدة ، وقوله تعالى : { يَأْتِينَ } صفة لكل ضامرٍ ، لأنه في معنى الجمع . وقرئ ( يأتون ) صفة للرجال والركبان . أو استئناف ، فيكون الضمير للناس { مِن كُلِّ فَجٍّ عَميِقٍ } أي : طريق واسع بعيد { لِّيَشْهَدُواْ مَنَافِعَ لَهُمْ } أي : ليحصروا منافع لهم دينية ودنيوية { وَيَذْكُرُواْ ٱسْمَ ٱللَّهِ فِيۤ أَيَّامٍ مَّعْلُومَاتٍ عَلَىٰ مَا رَزَقَهُمْ مِّن بَهِيمَةِ ٱلأَنْعَامِ } أي : على ما ملكهم منها ، وذلّلها لهم ، ليجعلوها هدياً وضحايا . قال الزمخشري : كنى عن النحر والذبح ، بذكر اسم الله . لأن أهل الإسلام لا ينفكون عن ذكر اسمه إذا نحروا أو ذبحوا . وفيه تنبيه على أن الغرض الأصليّ فيما يتقرب به إلى الله أن يذكر اسمه - زاد الرازي - وأن يخالف المشركون في ذلك . فإنهم كانوا يذبحونها للنصُب والأوثان ، قال القفال : وكأن المتقرب بها وبإراقة دمائها متصوّر بصورة من يفدي نفسه بما يعادلها . فكأنه يبذل تلك الشاة بدل مهجته ، طلباً لمرضاة الله تعالى ، واعترافاً بأن تقصيره كاد يستحق مهجته . والأيام المعلومات أيام العشر . أو يوم النحر وثلاثة أيام أو يومان بعده . أو يوم عرفة والنحر ويوم بعده . أقوال للأئمة . قال ابن كثير : ويعضد الثاني والثالث قوله تعالى : { عَلَىٰ مَا رَزَقَهُمْ مِّن بَهِيمَةِ ٱلأَنْعَامِ } يعني به ذكر الله عند ذبحها . انتهى . أقول - لا يبعد أن تكون ( على ) تعليلية ، والمعنى : ليذكروا اسم الله وحده في تلك الأيام بحمده وشكره وتسبيحه ، لأجل ما رزقهم من تلك البهم . فإنه هو الرزاق لها وحده والمتفضل عليهم بها : ولو شاء لحظرها عليهم ولجعلها أوابد متوحشة . وقد امتن عليهم بها في غير موضع من تنزيله الكريم . كقوله سبحانه : { أَوَلَمْ يَرَوْاْ أَنَّا خَلَقْنَا لَهُم مِمَّا عَمِلَتْ أَيْدِينَآ أَنْعاماً فَهُمْ لَهَا مَالِكُونَ * وَذَلَّلْنَاهَا لَهُمْ فَمِنْهَا رَكُوبُهُمْ وَمِنْهَا يَأْكُلُونَ } [ يّس : 71 - 72 ] والسر في إفراده هذه النعمة ، والتذكير بها دون غيرها من نعمه وأياديه ، أن بها حياة العرب وقوام معاشهم . إذ منها طعامهم وشرابهم ولباسهم وأثاثهم وخباؤهم وركوبهم وجَمالهم . فلولا تفضله تعالى عليهم بتذليلها لهم ، لما قامت لهم قائمة . لأن أرضهم ليست بذات زرع ، وما هم بأهل صناعة مشهورة ، ولا جزيرتهم متحضرة متمدنة . ومن كانوا كذلك ، فيجدر بهم أن يذكروا المتفضل عليهم بما يبقيهم ، ويشكروه ويعرفوا له حقه . من عبادته وحده وتعظيم حرماته وشعائره . فالاعتبار بها من ذلك ، موجب للاستكانة لرازقها ، والخضوع له والخشية منه . نظير الآية - على ما ظهر لنا - . قوله تعالى : { فَلْيَعْبُدُواْ رَبَّ هَـٰذَا ٱلْبَيْتِ * ٱلَّذِيۤ أَطْعَمَهُم مِّن جُوعٍ وَآمَنَهُم مِّنْ خَوْفٍ } [ قريش : 3 - 4 ] هذا أولا ، وثانياً قد يقال : إنما أفردت لتتبع بما هو البر الأعظم والخير الأجزل . وهو مواساة البؤساء منها . فإن ذلك من أجلِّ ما يرضيه تعالى ، ويثيب عليه . والله أعلم . { فَكُلُواْ مِنْهَا } أي : من لحومها . والأمر للندب . وإزاحة ما كان عليه أهل الجاهلية من التحرج فيه . وقد ثبت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما نحر هديه ، أمر من كل بدنة ببضعة فتطبخ ، فأكل من لحمها ، وحسا من مرقها . وعن إبراهيم قال : كان المشركون لا يأكلون من ذبائحهم . فرخص للمسلمين فمن شاء أكل ومن شاء لم يأكل . قال في ( الإكليل ) : والأمر للاستحباب حيث لم يكن الدم واجباً بإطعام الفقراء . وأباح مالك الأكل من الهدي الواجب ، إلا جزاء الصيد والأذى والنذر ، وأباحه أحمد ، إلا من جزاء الصيد والنذر . وأباح الحسن الأكل من الجميع تمسكاً بعموم الآية . وذهب قوم إلى أن الأكل من الأضحية واجب ، لظاهر الأمر . وقومٌ إلى أن التصدق منها ندب ، وحملوا الأمر عليه . ولا تحديد فيما يؤكل أو يتصدق به ، لإطلاق الآية . انتهى . { وَأَطْعِمُواْ ٱلْبَآئِسَ } أي : الذي أصابه بؤس أي : شدة { ٱلْفَقِيرَ } أي : الذي أضعفه الإعسار ، والأمر هنا للوجوب . وقد قيل به في الأول أيضاً .