Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 23, Ayat: 1-7)
Tafsir: Maḥāsin at-Taʾwīl
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
{ قَدْ أَفْلَحَ ٱلْمُؤْمِنُونَ } أي : دخلوا في الفوز الأعظم { ٱلَّذِينَ هُمْ فِي صَلاَتِهِمْ خَاشِعُونَ } أي : متذللون مع خوف وسكون للجوارح ، لاستيلاء الخشية والهيبة على قلوبهم { وَٱلَّذِينَ هُمْ عَنِ ٱللَّغْوِ مُّعْرِضُونَ } أي : عن الفضول وما لا يعني من الأقوال والأفعال ، معرضون في عامة أوقاتهم ، لاستغراقهم بالجد { وَٱلَّذِينَ هُمْ لِلزَّكَـاةِ فَاعِلُونَ } أي : للتجرد عن رذيلة البخل . قيل : السورة مكية ، والزكاة إنما فرضت بالمدينة ؟ وجوابه : إن الذي فرض بالمدينة إنما هو النصب والمقادير الخاصة . وإلا فأصل التفضل بالعفو مشروع في أوائل البعثة ، فلا حاجة إلى دعوى إرادة زكاة النفوس من الشرك والعصيان ، لعدم التبادر إليه { وَٱلَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ * إِلاَّ عَلَىٰ أَزْوَاجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ } لأنه الحق المأذون فيه { فَمَنِ ٱبْتَغَىٰ وَرَآءَ ذٰلِكَ فَأُوْلَـٰئِكَ هُمُ ٱلْعَادُونَ } أي : الكاملون في العدوان المرتكبونه على أنفسهم . تنبيهات الأول : دلت الآية على تعليق فلاح العبد على حفظ فرجه ، وأنه لا سبيل له إلى الفلاح بدونه ، وتضمنت هذه الآية ثلاثة أمور : من لم يحفظ فرجه لم يكن من المفلحين . وأنه من الملومين . ومن العادين . ففاته الفلاح واستحق اسم العدوان ووقع في اللوم . فمقاساة ألم الشهوة ومعاناتها ، أيسر من بعض ذلك . وقد أمر الله تعالى نبيه أن يأمر المؤمنين بغض أبصارهم وحفظ فروجهم . وأن يعلمهم أنه مشاهد لأعمالهم ، مطلع عليها ، يعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور . ولما كان مبدأ ذلك من قِبل البصر ، جعل الأمر بغضه مقدما على حفظ الفرج . فإن الحوادث مبدؤها من النظر . كما أن معظم النار مبدؤها من مستصغر الشرر . ثم تكون نظرة ، ثم تكون خطرة ، ثم خطوة ، ثم خطيئة . ولهذا قيل : من حفظ هذه الأربعة أحرز دينه : اللحظات ، والخطرات ، واللفظات ، والخطوات . فينبغي للعبد أن يكون بواب نفسه على هذه الأبواب الأربعة . ويلازم الرباط على ثغورها . فمنها يدخل عليه العدو ، فيجوس خلال الديار ويتبروا ما علوا تتبيراً . الثاني : روي عن الإمام أحمد أنه قال : لا أعلم بعد القتل ذنبا أعظم من الزنى . واحتج بحديث عبد الله بن مسعود أنه قال : يا رسول الله أي الذنب أعظم ؟ قال : " أن تجعل لله ندّاً وهو خلقك قال قلت : ثم أي ؟ قال : أن تقتل ولدك مخافة أن يطعم معك . قال قلت : ثم أي : ؟ قال : أن تزاني حليلة جارك " والنبي صلى الله عليه وسلم ذكر من كل نوع أعلاه ليطابق جوابه سؤال السائل . فإنه سئل عن أعظم الذنب فأجابه بما تضمن ذكر أعظم أنواعه وما هو أعظم كل نوع ، فأعظم أنواع الشرك أن يجعل العبد لله ندّاً . وأعظم أنواع القتل أن يقتل ولده خشية أن يشاركه في طعامه وشرابه . وأعظم أنواع الزنا أن يزني بحليلة جاره . فإن مفسدة الزنى تتضاعف بتضاعف ما انتهكه من الحق . فالزنى بالمرأة التي لها زوج ، أعظم إثماً وعقوبة من الزنا بالتي لا زوج لها . إذ فيه انتهاك حرمة الزوج وإفساد فراشه ، وتعليق نسب عليه ، لم يكن منه , وغير ذلك من أنواع أذاه . فهو أعظم إثماً وجرماً من الزنا بغير ذات الزوج فإذا كان زوجها جاراً له ، انضاف إلى ذلك سوء الجوار ، وأذى جاره بأعلى أنواع الأذى . وذلك من أعظم البوائق . وقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : " لا يدخل الجنة من لا يأمن جاره بوائقه " ولا بائقة أعظم من الزنا بامرأته . فالزنا بمائة امرأة لازوج لها أيسر عند الله من الزنا بامرأة الجار . فإن كان الجار أخا له ، أو قريباً من أقاربه ، انضم إلى ذلك قطيعة الرحم ، فيتضاعف الإثم . فإن كان الجار غائباً في طاعة الله ، كالصلاة وطلب العلم والجهاد ، تضاعف الإثم . فإن اتفق أن تكون المرأة رحما منه ، انضاف إلى ذلك قطيعة رحمها فإن اتفق أن يكون الزاني محصناً ، كان الإثم أعظم . فإن كان شيخاً كان أعظم إثماً وهو أحد الثلاثة الذين لا يكلمهم الله يوم القيامة ولا يزكيهم ولهم عذاب أليم . فإن اقترن بذلك أن يكون في شهر حرام أو بلد حرام أو وقت معظم عند الله ، كأوقات الصلاة وأوقات الإجابة ، تضاعف الإثم وعلى هذا ، فاعتبر مفاسد الذنوب وتضاعف درجاتها في الإثم والعقوبة والله المستعان . الثالث : أجمع المسلمون على أن حكم التلوط مع المملوك كحكمه مع غيره . ومن ظن أن تلوط الإنسان مع مملوكه جائز ، واحتج على ذلك بقوله تعالى : { إِلاَّ عَلَىٰ أَزْوَاجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ } [ المعارج : 30 ] وقاس ذلك على أمته المملوكة ، فهو كافر يستتاب كما يستتاب المرتد . فإن تاب وإلا قتل وضربت عنقه . وتلوط الإنسان بمملوكه كتلوطه بمملوك غيره . في الإثم والحكم . أفاد هذا وما قبله بتمامه الإمام ابن القيم في ( الجواب الكافي ) . وقوله تعالى : { وَٱلَّذِينَ هُمْ … } .