Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 24, Ayat: 1-1)

Tafsir: Maḥāsin at-Taʾwīl

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

{ سُورَةٌ أَنزَلْنَاهَا } خبر محذوف . أي : هذه السورة . والتنكير للتفخيم { وَفَرَضْنَاهَا } أي : أوجبنا ما فيها من الأحكام إيجاباً قطعيّاً { وَأَنزَلْنَا فِيهَآ آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ لَّعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ } أي : تتذكرونها فتعملون بموجبها . قال الإمام ابن تيمية رحمه الله ، في تفسير هذه الآيات : هذه السورة فرضها تعالى بالبينات والتقدير والحدود ، التي من يتعد حلالها إلى الحرام فقد ظلم نفسه . ومن قرب من حرامها فقد اعتدى وتعدى الحدود . وبين فيها فرض العقوبة وآية الجلد وفريضة الشهادة على الزنا وفريضة شهادة المتلاعنيْن . كل منهما يشهد أربع شهادات بالله . ونهى فيها عن تعدي حدود الله في الفروج والأعراض والعورات وطاعة ذي السلطان . سواء كان في منزله أو ولايته . ولا يخرج ولا يدخل إلا بإذنه . إذ الحقوق نوعان : نوع لله فلا يتعدى حدوده ، ونوع للعبادة فيه أمر فلا يفعل إلا بإذن المالك ، فليس لأحد أن يفعل شيئاً في حق غيره إلا بإذن الله . وإن لم يإذن المالك ، فإذن الله هو الأصل ، وإذن المالك حيث أذن الله وجعل له الإذن فيه . ولهذا ضمنها الاستئذان في المساكن والمطاعم وفي الأمور الجامعة . كالصلاة والجهاد ونحوهما . ووسطها بذكر النور الذي هو مادة كل خير وصلاح كل شيء . وهو ينشأ عن امتثال أمر الله واجتناب نهيه ، وعن الصبر على ذلك . فإنه ضياء . فإن حفظ الحدود بتقوى الله ، يجعل لصاحبه نوراً . كما قال تعالى : { ٱتَّقُواْ ٱللَّهَ وَءَامِنُواْ بِرَسُولِهِ يُؤْتِكُمْ كِفْلَيْنِ مِن رَّحْمَتِهِ وَيَجْعَل لَّكُمْ نُوراً تَمْشُونَ بِهِ … } [ الحديد : 28 ] الآية فضدّ النور الظلمة ، ولهذا عقب ذكر النور وأعمال المؤمنين بأعمال الكفار . وأهل البدع والضلال . فقال { وَٱلَّذِينَ كَفَرُوۤاْ أَعْمَالُهُمْ كَسَرَابٍ } [ النور : 39 ] الآية ، إلى قوله : { أَوْ كَظُلُمَاتٍ فِي بَحْرٍ لُّجِّيٍّ يَغْشَاهُ مَوْجٌ … } [ النور : 40 ] الآية وكذلك الظلم ظلمات يوم القيامة . وظلم العبد نفسه من الظلم . فإن للسيئة ظلمة في القلب ، وسوادا في الوجه ، ووهنا في البدن ، ونقصاً في الرزق ، وبغضاً في قلوب الخلق . كما روي ذلك عن ابن عباس . يوضحه أن الله ضرب مثل إيمان المؤمنين بالنور ، وأعمال الكفار بالظلمة . والإيمان اسم جامع لكل ما يحبه الله . والكفر اسم جامع لكل ما يبغضه ، وإن كان لا يكفر العبد إذا كان معه أصل الإيمان وبعض فروع الكفر من المعاصي . كما لا يصير مؤمناً إذا كان معه بعض فروع الإيمان . ولغض البصر اختصاص بالنور . كما في حديث أبي هريرة الذي صححه الترمذي : " إن العبد إذا أذنب … " الحديث . وفيه : " فذلك الران الذي ذكر الله " . وفي الصحيح : " إنه ليغان على قلبي وإني لأستغفر الله في اليوم مائة مرة " والغين حجاب رقيق أرق من الغيم ، فأخبر أنه يستغفر ليزيل الغين ، فلا يكون نكتة سوداء . كما أنها إذا أزيلت لا تصير ريناً . وقال حذيفة : إن الإيمان يبدو في القلب لمظة بيضاء . فكلما ازداد العبد إيماناً ، ازداد قلبه بياضاً ، وفي خطبة الإمام أحمد ، في الرد على الزنادقة : الحمد لله الذي جعل في كل زمان فترة من الرسل ، بقايا من أهل العلم ، يدعون من ضل إلى الهدى ، ويصبرون منهم على الأذى . يحيون بكتاب الله الموتى , ويبصرون بنور الله أهل العمى … الخ . وقد قرن الله سبحانه بين الهدى والضلال بما يشبه هذا . كقوله تعالى : { وَمَا يَسْتَوِي ٱلأَعْمَىٰ وَٱلْبَصِيرُ * وَلاَ ٱلظُّلُمَاتُ وَلاَ ٱلنُّورُ } [ فاطر : 19 - 20 ] ، وقال : { مَثَلُ ٱلْفَرِيقَيْنِ كَٱلأَعْمَىٰ وَٱلأَصَمِّ وَٱلْبَصِيرِ وَٱلسَّمِيعِ } [ هود : 24 ] ، وقال : { مَثَلُهُمْ كَمَثَلِ ٱلَّذِي ٱسْتَوْقَدَ نَاراً } [ البقرة : 17 ] الآيات وهذا النور الذي يكون للمؤمن في الدنيا على حسن عمله واعتقاده ، يظهر في الآخرة ، كما قاله تعالى : { يَسْعَىٰ نُورُهُم بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمَانِهِم … } [ الحديد : 12 ] الآية ، فذكر النور هنا عقيب أمره بالتوبة ، كما في سورة النور عقيب أمره بغض البصر والتوبة . وذكر ذلك بعد أمره بحقوق الأهلين والأزواج وما يتعلق بالنساء . وقال في سورة الحديد : { يَوْمَ تَرَى ٱلْمُؤْمِنِينَ وَٱلْمُؤْمِنَاتِ } إلى قوله : { وَبِئْسَ ٱلْمَصِيرُ } [ الحديد : 12 - 15 ] ، فأخبر سبحانه أن المنافقين يفقدون النور الذي كان المؤمنون يمشون به ، ويطلبون الاقتباس من نورهم ، فيحجبون عن ذلك بحجاب يضرب بينهم . كما أنهم في الدنيا لما فقدوا النور : { كَمَثَلِ ٱلَّذِي ٱسْتَوْقَدَ نَاراً } [ البقرة : 17 ] الآية . وقوله تعالى : { ٱلزَّانِيَةُ وَٱلزَّانِي … } .