Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 24, Ayat: 27-28)

Tafsir: Maḥāsin at-Taʾwīl

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

{ يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَدْخُلُواْ بُيُوتاً غَيْرَ بُيُوتِكُمْ حَتَّىٰ تَسْتَأْنِسُواْ } أي : تستعلموا وتستكشفوا الحال . هل يراد دخولكم أم لا ؟ من ( الاستئناس ) وهو الاستعلام . من ( آنس الشيء ) إذا أبصره ظاهراً مكشوفاً . أو المعنى : حتى يؤذن لكم فتستأنسوا . من ( الاستئناس ) الذي هو خلاف الاستيحاش . لما أن المستأذن مستوحش من خفاء الحال عليه . فيكون عبر بالشيء عما هو لازم له ، مجازاً أو استعارة . وجوّز أن يكون من ( الإنس ) والمعنى : حتى تعلموا هل فيها إنسان ؟ . { وَتُسَلِّمُواْ عَلَىٰ أَهْلِهَا } أي : ليؤمنهم عما يوحشهم { ذٰلِكُمْ } أي : الاستئذان والتسليم { خَيْرٌ لَّكُمْ } أي : من الدخول بغتة { لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ } أي : فتتعظوا وتعملوا بموجبه { فَإِن لَّمْ تَجِدُواْ فِيهَآ أَحَداً } أي : من الآذنين { فَلاَ تَدْخُلُوهَا حَتَّىٰ يُؤْذَنَ لَكُمْ } أي : واصبروا حتى تجدوا من يأذن لكم . ويحتمل : فإن لم تجدوا فيها أحداً من أهلها ، ولكم فيها حاجة ، فلا تدخلوها إلا بإذن أهلها . قال الزمخشري : وذلك لأن الاستئذان لم يشرع لئلا يطلع الداخل على عورة ، ولا تسبق عينه إلى ما لا يحل النظر إليه فقط ، وإنما شرع لئلا يوقف على الأحوال التي يطويها الناس في العادة عن غيرهم ، ويتحفظون من اطلاع أحد عليها . ولأنه تصرف في ملك غيرك . فلا بد من أن يكون برضاه ، وإلا أشبه الغصب والتغلب . انتهى . { وَإِن قِيلَ لَكُمْ ٱرْجِعُواْ فَٱرْجِعُواْ } أي : إن أمرتم من جهة أهل البيت بالرجوع ، سواء كان الأمر ممن يملك الإذن أو لا , كالنساء والولدان ، فارجعوا ولا تلحوا بتكرير الاستئذان . لأن هذا مما يجلب الكراهة في قلوب الناس . ولذا قال تعالى : { هُوَ } أي : الرجوع { أَزْكَىٰ لَكُمْ } أي : أطهر مما لا يخلوا عنه الإلحاح والوقوف على الأبواب ، من دنس الدناءة . وأنمى لمحبتكم . قال الزمخشري : وإذا نهى عن ذلك لادائه إلى الكراهة ، وجب الانتهاء عن كل ما يؤدي إليها من قرع الباب بعنف ، والتصييح بصاحب الدار ، وغير ذلك مما يدخل في عادات من لم يتهذب من أكثر الناس . لطيفة قال ابن كثير : قال قتادة : قال بعض المهاجرين : لقد طلبت عمري كله هذه الآية فما أدركتها : أن أستأذن على بعض إخواني ، فيقول لي : ارجع . فأرجع وأنا مغتبط . انتهى . { وَٱللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ } أي : فيجزيكم على نيتكم الحسنة ، في الزيارة ، أو المكر والخيانة بأهل المزور أو ماله . تنبيه قال السيوطي في ( الإكليل ) : في هذه الآية وجوب الاستئذان عند دخول بيت الغير ، ووجوب الرجوع إذا لم يؤذن له ، وتحريم الدخول إذا لم يكن فيها أحد . ويستفاد من هذا تحريم دخول ملك الغير ، والكون فيه ، وشغله بغير إذن صاحبه . فيدخل تحته من المسائل والفروع ما لا يحصى . واستدل بالآية الأكثرُ على الجمع بين الاستئذان والسلام . والأقل على تقديم الاستئذان على السلام بتقديمه في الآية . وأجاب الأكثرون ، بأن الواو لا تفيد ترتيباً واستدل بها من قال : له الزيادة في الاستئذان على ثلاث ، حتى يؤذن له أو يصرح بالمنع . وفهم من الآية أن الرجل لا يستأذن عند دخول بيته على امرأته . انتهى . وقال ابن كثير : ليعلم أنه ينبغي للمستأذن على أهل المنزل ألا يقف تلقاء الباب بوجهه ، ولكن ليكن الباب عن يمينه أو يساره . وفي الصحيحين عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال : " لو أن امرأً اطلع عليك بغير إذن ، فحذفته بحصاة ، ففقأت عينه ، ما كان عليك من جناح " وأخرج الجماعة عن جابر قال : " أتيت النبي صلى الله عليه وسلم في دين كان على أبي . فدققت الباب ، فقال : " من ذا " فقلت : أنا قال : " أنا ، أنا " كأنه كرهه " . وإنما كرهه ، لأن هذه اللفظة لا يعرف صاحبها ، حتى يفصح باسمه أو كنيته التي هو مشهور بها . وإلا فكل أحد يعبر عن نفسه بـ ( أنا ) فلا يحصل به المقصود الاستئذان ، الذي هو الاستئناس المأمور به في الآية . وعن ابن مسعود قال : عليكم الإذن على أمهاتكم . وعن طاووس قال : ما من امرأة أكره إليّ أن أرى عورتها من ذات محرم . وكان يشدد النكير في ذلك . وقال ابن جريج : قلت لعطاء : أيستأذن الرجل على امرأته ؟ قال : لا . قال ابن كثير : وهذا محمول على عدم الوجوب . وإلا فالأولى أن يعلمها بدخوله ، ولا يفاجئها به ، لاحتمال أن تكون على هيئة لا تحب أن يراها عليها . وعن زينب امرأة عبد الله بن مسعود قالت : كان عبد الله إذا جاء من حاجة ، فانتهى إلى الباب ، تنحنح وبزق كراهة أن يهجم منا على أمر يكرهه . ولهذا جاء في الصحيح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ؛ أنه نهى أن يطرق الرجل أهله طروقاً . ثم بين تعالى ما رخص فيه عدم الاستئذان ، بقوله سبحانه : { لَّيْسَ عَلَيْكُمْ … } .