Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 24, Ayat: 32-32)
Tafsir: Maḥāsin at-Taʾwīl
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
{ وَأَنْكِحُواْ ٱلأَيَامَىٰ مِنْكُمْ وَٱلصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ وَإِمائِكُمْ } أي : زوجوا من لا زوج له من الأحرار والحرائر ، ومن كان فيه صلاح غلمانكم وجواريكم . والخطاب للأولياء والسادات و ( الأيامى ) جمع أيم . من لا زوجة له أو لا زوج لها . يكون للرجل والمرأة . يقال : آم وآمَتْ وتَأيمَا ، إذا لم يتزوجا ، بكرين كانا أو ثيبين . قال أبو السعود : واعتبار الصلاح في الأرقاء ، لأن من لا صلاح له منهم ، بمعزل من أن يكون خليقاً بأن يعتني مولاه بشأنه ، ويشفق عليه ، ويتكلف في نظم مصالحه بما لا بد منه شرعاً وعادة ، من بذل المال والمنافع . بل حقه ألا يستبقيه عنده . وأما عدم اعتبار الصلاح في الأحرار والحرائر ، فلأن الغالب فيهم الصلاح . على أنهم مستبدون في التصرفات المتعلقة بأنفسهم وأموالهم . فإذا عزموا النكاح ، فلا بد من مساعدة الأولياء لهم ؛ إذ ليس عليهم في ذلك غرامة ، حتى يعتبر في مقابلتها غنيمة عائدة إليهم . عاجلة أو آجلة : وقيل : المراد هو الصلاح للنكاح والقيام بحقوقه . وقوله تعالى : { إِن يَكُونُواْ فُقَرَآءَ يُغْنِهِمُ ٱللَّهُ مِن فَضْلِهِ } إزاحة لما عسى يكون وازعاً من النكاح من فقر أحد الجانبين . أي : لا يمنعن فقر الخاطب أو المخطوبة من المناكحة . فإن في فضل الله عز وجل غنية عن المال . فإنه غاد ورائح . يرزق من يشاء من حيث لا يحتسب . أو وعد من سبحانه بالإغناء . لكنه مشروط بالمشيئة . كما في قوله تعالى : { وَإِنْ خِفْتُمْ عَيْلَةً فَسَوْفَ يُغْنِيكُمُ ٱللَّهُ مِن فَضْلِهِ إِن شَآءَ } [ التوبة : 28 ] { وَٱللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ } أي : غني ذو سعة ، لا يرزؤه إغناء الخلائق ، إذ لا نفاذ لنعمته ولا غاية لقدرته . { عَلِيمٌ } يبسط الرزق لمن يشاء ويقدر حسبما تقتضيه الحكمة . انتهى كلام أبي مسعود . تنبيهات الأول : الأمر في الآية للندب . لما علم من أن النكاح أمر مندوب إليه . وقد يكون للوجوب في حق الأولياء عند طلب المرأة ذلك . وفي ( الإكليل ) : استدل الشافعي بالأمر على اعتبار الولي . لأن الخطاب له ، وعدم استقلال المرأة بالنكاح . واستدل بعموم الآية من أباح نكاح الإماء بلا شرط ، ونكاح العبدة الحرة . واستدل بها من قال بإجبار السيد على نكاح عبده وأمته . الثاني : قدمنا أن قوله تعالى : { يُغْنِهِمُ ٱللَّهُ مِن فَضْلِهِ } مشروط بالمشيئة . فلا يقال : إنه تعالى لا يخلف الميعاد ، وكم من متزوجٍ فقير . والتقييد بالمشيئة بدليل سمعي ، وهو الآية المتقدمة . أو إشارة قوله تعالى : { عَلِيمٌ حَكِيمٌ } لأن مآله إلى المشيئة . أو عقلي وهو أن الحكيم لا يفعل إلا ما تقتضيه الحكمة . قال الناصر في ( الانتصاف ) : ولقائل أن يقول : إذا كانت المشيئة هي المعتبرة في غنى المتزوج ، فهي أيضاً المعتبرة في غنى الأعزب ، فما وجه ربط وعد الغنيّ بالنكاح ، مع أن حال الناكح منقسم في الغنى على حسب المشيئة . فمن مستغن به ، ومن فقير . كما أن حال غير الناكح منقسم ؟ فالجواب ، وبالله التوفيق : إن فائدة ربط الغنى بالنكاح ، أنه قد ركز في الطباع السكون إلى الأسباب والاعتماد عليها ، والغفلة عن المسبب ، جل وعلا . حتى غلب الوهم على العقل فخيل أن كثرة العيال سبب يوجب الفقر حتما ، وعدمها سبب يوجب توفير المال جزماً . وأن كل واحد من هذين السببين غير مؤثر فيما ربطه الوهم به . فأريد قلع هذا الخيال المتمكن من الطبع ، بالإيذان بأن الله تعالى قد يوفر المال وينميه ، مع كثرة العيال التي هي سبب من الأوهام ، لنفاد المال . وقد يقدر الإملاق مع عدمه ، الذي هو سبب في الإكثار عند الأوهام . والواقع يشهد لذلك بلا مراء . فدل ذلك قطعاً على أن الأسباب التي يتوهمها البشر ، مرتبطات بمسبباتها ، ارتباطاً لا ينفك - ليست على ما يزعمونه . وإنما يقدر الغنى والفقر مسببُ الأسباب . غير موقوف تقدير ذاك إلا على مشيئة خاصة . وحينئذ لا ينفر العاقل المتيقظ من النكاح . لأنه قد استقر عنده أن لا أثر له في الإقتار . وأن الله تعالى لا يمنعه ذلك من إغنائه ، ولا يؤثر أيضاً الخلو عن النكاح لأجل التوفير . لأنه قد استقر أن لا أثر له فيه ، وأن الله تعالى لا يمنعه مانع أن يقتر عليه . وأن العبد إن تعاطى سبباً فلا يكن ناظراً إليه ، ولكن إلى مشيئة الله تعالى وتقدس . فمعنى قوله حينئذ : { إِن يَكُونُواْ فُقَرَآءَ … } الآية ، أن النكاح لا يمنعهم الغنى من فضل الله . فعبر عن نفي كونه مانعاً من الغنى , بوجوده معه . ولا يبطل المانعية إلا وجود ما يتوهم ممنوعاً مع ما يتوهم مانعاً ، ولو في صورة من الصور على أثر ذلك . فمن هذا الوادي أمثال قوله تعالى : { فَإِذَا قُضِيَتِ ٱلصَّلاَةُ فَٱنتَشِرُواْ فِي ٱلأَرْضِ } [ الجمعة : 10 ] فإن ظاهر الأمر طلب الانتشار عند انقضاء الصلاة ، وليس ذلك بمراد حقيقة ولكن الغرض تحقيق زوال المانع وهو الصلاة ، وبيان أن الصلاة متى قضيت ، فلا مانع . فعبر عن نفي المانع بالانتشار ، بما يفهم تقاضي الانتشار مبالغة في تحقيق المعنى عند السامع . والله أعلم . فتأمل هذا الفصل واتخذه عضداً حيث الحاجة إليه . انتهى . الثالثة : ( في الإكليل ) : استدل بعضهم بهذه الآية على أنه لا يفسخ النكاح بالعجز عن النفقة ، لأنه قال : { يُغْنِهِمُ ٱللَّهُ } ولم يفرق بينهم . ثم أرشد تعالى العاجزين عن أسباب النكاح ، إلى ما هو أولى لهم ، بعد بيان جواز مناكحة الفقراء ، بقوله سبحانه : { وَلْيَسْتَعْفِفِ ٱلَّذِينَ … } .