Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 24, Ayat: 39-39)
Tafsir: Maḥāsin at-Taʾwīl
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
{ وَٱلَّذِينَ كَفَرُوۤاْ } عطف على ما ينساق إليه ما قبله . كأنه قيل : الذين آمنوا أعمالهم حالاً ومآلاً كما وصف ، والذين كفروا { أَعْمَالُهُمْ } أي : التي يحسبونها تنفعهم وتأخذ بيدهم من العذاب { كَسَرَابٍ } وهو ما يرى في الفلاة من ضوء الشمس وقت الظهيرة ، يسرب على وجه الأرض كأنه ماء يجري { بِقِيعَةٍ } بمعنى القاع ، وهو المنبسط من الأرض . أو جمع قاع ( كجيرة ) في ( جار ) { يَحْسَبُهُ ٱلظَّمْآنُ مَآءً حَتَّىٰ إِذَا جَآءَهُ لَمْ يَجِدْهُ شَيْئاً } أي : لا محققاً ولا متوهماً . كما كان يراه من قبل ، فضلاً عن وجدانه ماء ، وبه تم بيان أحوال الكفرة بطريق التمثيل . وقوله تعالى : { وَوَجَدَ ٱللَّهَ عِندَهُ فَوَفَّـٰهُ حِسَابَهُ وَٱللَّهُ سَرِيعُ ٱلْحِسَابِ } أي : وجد عقاب الله وجزائه عند السراب ، أو العمل . وفي التعبير بذلك زيادة تهويل . وقيل : المعنى وجده محاسباً إياه . فالعندية بمعنى الحساب ، على طريق الكناية ، لذكر التوفية بعده . قيل : هذه الجملة معطوفة على { لَمْ يَجِدْهُ } ولا حاجة إلى عطفه على ما يفيده من نحو : ( لم يجد ما عملَه نافعاً ) . قال الشهاب : ويحتمل أن يكون بياناً لحال المشبه به ، الكافر فيعطف بحسب المعنى على التمثيل بتمامه . ولو قيل على الأول إنه من تتمة وصف السراب . والمعنى : وجد مقدوره تعالى من الهلاك بالظمأ عند السراب ، فوفاه ما كتب له ، من لا يؤخر الحساب - كان الكلام متناسباً . واختار الثاني أبو السعود حيث قال : هو بيان لبقية أحوالهم العارضة لهم بعد ذلك بطريق التكملة ، لئلا يتوهم أن قصارى أمرهم هو الخيبة والقنوط فقط ، كما هو شأن الظمآن ويظهر أنه يعتريهم بعد ذلك من سوء الحال ما لا قدر عنده للخيبة أصلا . فليست الجملة معطوفة على { لَمْ يَجِدْهُ شَيْئاً } بل على ما يفهم بطريق التمثيل ، من عدم وجدان الكفرة من أعمالهم المذكورة عيناً ولا أثراً . كما في قوله تعالى : { وَقَدِمْنَآ إِلَىٰ مَا عَمِلُواْ مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَآءً مَّنثُوراً } [ الفرقان : 23 ] . فإن قيل : لِمَ خص ( الظمآن ) بالذكر ، مع أنه يتراءى لكل أحد كذلك ؟ فكان الظاهر ( الرائي ) بدله . وأجيب : بأنه إنما قيده به ولم يطلقه لقوله { وَوَجَدَ ٱللَّهَ عِندَهُ … } الخ ، لأنه من تتمة أحوال المشبه به . وهو أبلغ . لأن خيبة الكافر أدخل وأعرق . ونحوه { مَا يُنْفِقُونَ فِي هَـٰذِهِ ٱلْحَيَاةِ ٱلدُّنْيَا … } [ آل عمران : 117 ] الخ ، فإن الكافرين هم الذين يذهب حرثهم بالكلية . يعني أنه شبه أعمال الكفار التي يظنونها نافعة ، ومآلها الخيبة ، برؤية الكافر الشديد العطش في المحشر ، سراباً يحسبه شراباً ، فينتظم عطف ( وجد الله ) أحسن انتظام كما نوَّروه . كذا في ( الكشف ) . الثالثة - قال الشهاب : وهذا تشبيه بليغ وقع مثله في قوله مالك بن نويرة : @ لَعَمْرِيَ إِني وابن جارود كالَّذي أَرَاقَ شُعَيْبَ الماءِ والآلُ يَبْرُقُ فَلما أتاه ، خَيَّبَ اللهُ سعيَهُ فأمسى يَغُضّ الطرفَ عيمانَ يَشْهَقُ @@ ثم أشار تعالى إلى تمثيلهم بنوع آخر ، بقوله : { أَوْ كَظُلُمَاتٍ … } .