Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 26, Ayat: 227-227)
Tafsir: Maḥāsin at-Taʾwīl
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
{ إِلاَّ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّالِحَاتِ وَذَكَرُواْ ٱللَّهَ كَثِيراً } أي : في شعرهم ، بأن كان غالبه في توحيد الله والثناء عليه والحكمة والموعظة والآداب الحسنة { وَٱنتَصَرُواْ } أي : بشعرهم على عدوّهم بأن هجوه { مِن بَعْدِ مَا ظُلِمُواْ } أي : فكان هجاؤهم على سبيل الانتصار ممن يهجوهم ، جزاء وفاقاً . قال الله : { لاَّ يُحِبُّ ٱللَّهُ ٱلْجَهْرَ بِٱلسُّوۤءِ مِنَ ٱلْقَوْلِ إِلاَّ مَن ظُلِمَ } [ النساء : 148 ] وقال تعالى : { فَمَنِ ٱعْتَدَىٰ عَلَيْكُمْ فَٱعْتَدُواْ عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا ٱعْتَدَىٰ عَلَيْكُمْ } [ البقرة : 194 ] قال ابن كثير : وقد ثبت في الصحيح أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لحسان : " اهجهم ، أو قال هاجهم ، وجبريل معك " ويروي الإمام أحمد عن كعب بن مالك أنه قال للنبيّ صلى الله عليه وسلم : إن الله عز وجل قد أنزل في الشعر ما قد علمت ، وكيف ترى فيه ؟ فقال النبي صلى الله عليه وسلم : " إن المؤمن يجاهد بسيفه ولسانه . والذي نفسي بيده ! لكأن ما ترمونهم به نضح النبل " . تنبيهات الأول : قال في ( الإكليل ) : في قوله تعالى : { وَٱلشُّعَرَآءُ يَتَّبِعُهُمُ ٱلْغَاوُونَ … } [ الشعرء : 224 ] الآية ، ذم الشعر ، والمبالغة في المدح والهجو وغيرهما من فنونه ، وجوازه في الزهد والأدب ومكارم الأخلاق وجواز الهجو لمن ظلم ، انتصاراً . انتهى . وحكى الزمخشري : عن عَمْرو بن عبيد ، أن رجلا من العلوية قال له : إن صدري ليجيش بالشعر . فقال : فما يمنعك منه فيما لا بأس به ؟ والقول فيه : أن الشعر باب من الكلام ، محسنه كحسن الكلام وقبيحه كقبيح الكلام . الثاني : ذكر ابن إسحاق أنه لما نزلت { وَٱلشُّعَرَآءُ يَتَّبِعُهُمُ ٱلْغَاوُونَ } [ الشعرء : 224 ] جاء حسان بن ثابت وعبد الله بن رواحة وكعب بن مالك إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم يبكون . قالوا : قد علم الله حين أنزل هذه الآية أنا شعراء . فتلا النبي صلى الله عليه وسلم : { إِلاَّ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّالِحَاتِ } قال : " أنتم " . قال ابن كثير : لكن هذه السورة مكية ، فكيف يكون سبب نزول هذه الآيات في شعراء الأنصار ؟ وفي ذلك نظر . ولم يرو فيه إلا مرسلات لا يعتمد عليها . والله أعلم . ولكن الاستثناء دخل فيه شعراء الأنصار وغيرهم ، حتى يدخل فيه من كان متلبساً من شعراء الجاهلية بذم الإسلام وأهله ، ثم تاب وأناب ورجع وأقلع ، وعمل صالحاً ، وذكر الله كثيرا ، في مقابلة ما تقدم من الكلام السييء ، فإن الحسنات يذهبن السيئات . وامتدح الإسلام وأهله في مقابلة ما كان يذمه . كما قال عبد الله بن الزِّبَعْرَى ، لما أسلم : @ يا رسولَ المليك إنّ لساني رَاتِقٌ مَا فَتَقْتُ ، إِذْ أَنَا بُورُ إِذْ أُجاري الشيطانَ في سَنن الغَيّ وَمَنْ مَالَ مَيْلَهُ مَثْبُورُ @@ وكذلك أبو سفيان بن الحارث بن عبد المطلب ، كان من أشد الناس عداوة للنبيّ صلى الله عليه وسلم فهو ابن عمّه وأكثرهم له هجوا . فلما أسلم لم يكن أحد أحب إليه من رسول الله صلى الله عليه وسلم . وكان يمدح رسول الله صلى الله عليه وسلم . انتهى . وقوله تعالى : { وَسَيَعْلَمْ ٱلَّذِينَ ظَلَمُوۤاْ أَيَّ مُنقَلَبٍ يَنقَلِبُونَ } تهديد شديد ووعيد أكيد ، لما في { سَيَعْلَمْ } من تهويل متعلقه . وفي { ٱلَّذِينَ ظَلَمُوۤاْ } من إطلاقه وتعميمه . وفي { أَيَّ مُنقَلَبٍ يَنقَلِبُونَ } من إبهامه وتهويله . كأنه لا يمكن معرفته ، وقد رأوا ما حاق بهم في الدنيا . ولعذاب الآخرة أشد وأبقى .