Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 27, Ayat: 53-59)

Tafsir: Maḥāsin at-Taʾwīl

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

{ وَأَنجَيْنَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ } يعني : صالحاً عليه السلام ومن معه { وَكَانُواْ يَتَّقُونَ * وَلُوطاً إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ أَتَأْتُونَ ٱلْفَاحِشَةَ وَأَنتُمْ تُبْصِرُونَ } أي : قبحها ومضادّتها لحكمه تعالى وحكمته { أَإِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ ٱلرِّجَالَ شَهْوَةً مِّن دُونِ ٱلنِّسَآءِ } أي : متجاوزين النساء اللاتي هن محالّ الشهوة { بَلْ أَنتُمْ قَوْمٌ تَجْهَلُونَ } أي : تفعلون فعل الجاهلين سفها وعمى عن العاقبة { فَمَا كَانَ جَوَابَ قَوْمِهِ إِلاَّ أَن قَالُوۤاْ أَخْرِجُوۤاْ آلَ لُوطٍ مِّن قَرْيَتِكُمْ إِنَّهمْ أُنَاسٌ يَتَطَهَّرُونَ } أي : يتنزهون عن أفعالنا ويرونها رجساً . قالوه استهزاء . { فَأَنجَيْنَاهُ وَأَهْلَهُ إِلاَّ ٱمْرَأَتَهُ قَدَّرْنَاهَا مِنَ ٱلْغَابِرِينَ } أي : الباقين في العذاب : { وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهِم مَّطَراً } أي : هائلاً غير معهود { فَسَآءَ مَطَرُ ٱلْمُنذَرِينَ * قُلِ ٱلْحَمْدُ لِلَّهِ وَسَلاَمٌ عَلَىٰ عِبَادِهِ ٱلَّذِينَ ٱصْطَفَىٰ ءَآللَّهُ خَيْرٌ أَمَّا يُشْرِكُونَ } قال الزمخشري : أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يتلو هذه الآيات الناطقة بالبراهين على وحدانيته وقدرته على كل شيء وحكمته . وأن يستفتح بتحميده ، والسلام على أنبيائه والمصطفين من عباده . وفيه تعليم حسن ، وتوقيف على أدب جميل ، وبعث على التيمن بالذكرين ، والتبرك بهما ، والاستظهار بمكانهما ، على قبول ما يلقى إلى السامعين ، وإصغائهم إليه وإنزاله من قلوبهم المنزلة التي يبغيها المُسمِع . ولقد توارث العلماء والخطباء والوعاظ كابراً عن كابر هذا الأدب . فحمدوا الله عز وجل ، وصلوا على رسول الله صلى الله عليه وسلم ، أمام كل علم مفاد ، وقبل كل عظة وتذكرة ، وفي مفتتح كل خطبة . وتبعهم المترسلون . فأجروا عليه أوائل كتبهم في الفتوح والتهاني وغير ذلك من الحوادث التي لها شأن . وقيل : هو متصل بما قبله ، وأمر بالتحميد على الهالكين من كفار الأمم . والصلاة على الأنبياء عليهم السلام وأشياعهم الناجين . ثم قال : معلوم أن لا خير فيما أشركوه أصلا حتى يوازن بينه وبين من هو خالق كل خير ومالكه . وإنما هو إلزام لهم وتبكيت وتهكم بحالهم . وذلك أنهم آثروا عبادة الأصنام على عبادة الله . ولا يؤثر عاقل شيئاً على شيء ، إلا لداع يدعوه إلى إيثاره ، من زيادة خير ومنفعة . فقيل لهم ، مع العلم بأنه لا خير فيما آثروه ، وأنهم لم يؤثروه لزيادة الخير ، ولكن هوى وعبثاً ، لينتبهوا على الخطأ المفرط ، والجهل المورّط . وإضلالهم التمييز ونبذهم المعقول . وليعلموا أن الإيثار يجب أن يكون للخير الزائد . ونحوه ما حكاه عن فرعون : { أَمْ أَنَآ خَيْرٌ مِّنْ هَـٰذَا ٱلَّذِي هُوَ مَهِينٌ } [ الزخرف : 52 ] مع علمه أنه ليس لموسى مثل أنهاره التي كانت تجري تحته . ثم عدّد سبحانه الخيرات والمنافع التي هي آثار رحمته وفضله ، كما عددها في موضع آخر . ثم قال : { هَلْ مِن شُرَكَآئِكُمْ مَّن يَفْعَلُ مِن ذَٰلِكُمْ مِّن شَيْءٍ } [ الروم : 40 ] . لطيفة قال ابن القيم في ( طريق الهجرتين ) : في هذه الآية : كلمة ( السلام ) هنا تحتمل أن تكون داخلة في حيز القول فتكون معطوفة على الجملة الخبرية ، وهي ( الحمد لله ) ويكون الأمر بالقول متناولا للجملتين معاً . وعلى هذا ، فيكون الوقف على الجملة الأخيرة ، ويكون محلها النصب محكيّة بالقول . ويحتمل أن تكون الجملة مستأنفة مستقلة معطوفة على جملة الطلب . وعلى هذا فلا محل لها من الإعراب . وهذا التقدير أرجح ، وعليه يكون السلام من الله عليهم . وهو المطابق لما تقدم من سلامه سبحانه على رسله صلى الله عليهم وسلم . وعلى التقدير الأول يكون أمر بالسلام عليهم . ولكن يقال على هذا : كيف يعطف الخبر على الطلب مع تنافر ما بينهما . فلا يحسن أن يقول : قم وذهب زيد ، ولا اخرجْ وقعد عمرو . ويجاب على هذا بأن جملة الطلب ، قد حكيت بجملة خبرية ، ومع هذا لا يمتنع العطف فيه بالخبر على الجملة الطلبية لعدم تنافر الكلام فيه وتباينه . وهذا نظير قوله تعالى : { قُلِ ٱنظُرُواْ مَاذَا فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ وَمَا تُغْنِي ٱلآيَاتُ وَٱلنُّذُرُ عَن قَوْمٍ لاَّ يُؤْمِنُونَ } [ يونس : 101 ] فقوله : { وَمَا تُغْنِي ٱلآيَاتُ } [ يونس : 101 ] ليس معطوفاً بالقول وهو { ٱنظُرُواْ } بل معطوف على الجملة الكبرى . على أن عطف الخبر على الطلب كثير كقوله تعالى : { قَالَ رَبِّ ٱحْكُم بِٱلْحَقِّ وَرَبُّنَا ٱلرَّحْمَـٰنُ ٱلْمُسْتَعَانُ عَلَىٰ مَا تَصِفُونَ } [ الأنبياء : 112 ] وقوله : { وَقُل رَّبِّ ٱغْفِرْ وَٱرْحَمْ وَأنتَ خَيْرُ ٱلرَّاحِمِينَ } [ المؤمنون : 118 ] . والمقصود : أنه على هذا القول ، يكون الله سبحانه قد سلّم على المصطفين من عباده ، والرسل أفضلهم . انتهى .