Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 28, Ayat: 79-82)
Tafsir: Maḥāsin at-Taʾwīl
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
{ فَخَرَجَ } أي : قارون باغيا { عَلَىٰ قَوْمِهِ فِي زِينَتِهِ } أي : مُغْتَرّاً بالنظر فيها { قَالَ ٱلَّذِينَ يُرِيدُونَ ٱلْحَيَاةَ ٱلدُّنْيَا } أي : جريا على سنن الجبلة البشرية ، من الرغبة في السعة واليسار { يٰلَيْتَ لَنَا مِثْلَ مَآ أُوتِيَ قَارُونُ إِنَّهُ لَذُو حَظٍّ عَظِيمٍ * وَقَالَ ٱلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلْعِلْمَ وَيْلَكُمْ ثَوَابُ ٱللَّهِ خَيْرٌ } أي : مما تتمنونه { لِّمَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صَالِحاً وَلاَ يُلَقَّاهَآ } أي : هذه الكلمة التي فاه بها الذين أوتوا العلم . أو الجنة . أو السيرة والطريقة ، وهي الإيمان والعمل الصالح { إِلاَّ ٱلصَّابِرُونَ } أي : على الطاعات عن الشهوات ، وعلى زمام النفس أن تجري في أعقاب المزخرفات . و ( ويلك ) في الأصل دعاء بالهلاك . والمراد به هنا الزجر عن هذا التمني ، مجازاً . وهو منصوب على المصدرية { فَخَسَفْنَا بِهِ وَبِدَارِهِ } أي : المشتملة على أمواله { ٱلأَرْضَ فَمَا كَانَ لَهُ مِن فِئَةٍ يَنصُرُونَهُ مِن دُونِ ٱللَّهِ } أي : بدفع العذاب عنه { وَمَا كَانَ مِنَ ٱلْمُنتَصِرِينَ } أي : بقوة نفسه وما له { وَأَصْبَحَ ٱلَّذِينَ تَمَنَّوْاْ مَكَانَهُ بِٱلأَمْسِ يَقُولُونَ وَيْكَأَنَّ ٱللَّهَ يَبْسُطُ ٱلرِّزْقَ لِمَن يَشَآءُ مِنْ عِبَادِهِ } أي : من شقيّ وسعيد { وَيَقْدِرُ } أي : يقبض . فلا دلالة في البسط على السعادة . ولا في القبض على الشقاوة . بل يفعل سبحانه كل واحد من البسط والقَدْر بمحض مشيئته ، لا لكرامة توجب البسط ، ولا لهوان يقتضي القبض { لَوْلاۤ أَن مَّنَّ ٱللَّهُ عَلَيْنَا } أي : بعدم إيتائه متمنانا { لَخَسَفَ بِنَا } أي : كما خسف به { وَيْكَأَنَّهُ لاَ يُفْلِحُ ٱلْكَافِرُونَ } أي : لنعمة الله ، في صرفها في غير سبيلها . أو المكذبون برسله اغتراراً بزخارفهم . فائدة في { وَيْكَأَنَّ } مذاهب : الأول : أن ( وي ) كلمة برأسها . وهي اسم فعل ، معناه أعجب . أي : أنا . والكاف للتعليل . و ( أن ) وما في حيزها مجرورة بها . أي أعجب لأن الله يبسط الرزق الخ . وقياس هذا القول أن يوقف على ( وي ) وحدها ، وقد فعل ذلك الكسائي . الثاني : أنه مركب من ( وي ) للتعجب ( وكأن ) للتشبيه . والمعنى : ما أشبه الأمر أن الله يبسط . أي : ما أشبه أمر الدنيا والناس مطلقاً إلى آخرٍ ، أمرَ قارون وما شوهد من قصته . والأمر مأخوذ من الضمير . فإنه للشأن . والمراد من تشبيه الحال بهذه الحال ، أنه لتحققه وشهرته ، يصلح أن يشبه به كل شيء . كما أشار إليه في الكشف . الثالث : قال بعضهم : ( كأن ) هنا للتشبيه . إلا أنه ذهب منها معناه . وصارت للخبر واليقين . وهذا أيضا يناسبه الوقف على ( وي ) . الرابع : زعم الهمدانيّ في ( الفرائد ) أن مذهب سيبويه والخليل أن ( وي ) للتندم . و ( كأن ) للتعجب . والمعنى : ندموا متعجبين في أن الله يبسط الخ . قال الشهاب : وكون ( كأن ) للتعجب ، لم يعهد . الخامس : ذهب الكوفيون إلى أنه مركب من ( ويك ) بمعنى ( ويلك ) فخفف بحذف اللام . والعامل في ( أن ) اعلم ، المقدر . والكاف على هذا ضمير في محل جرّ . وهذا يناسب الوقف على الكاف . وقد فعله أبو عمرو . السادس : أن ( ويك ) كلمة برأسها . والكاف حرف خطاب . ويقرب هذا مما قبله . قال أبو البقاء : وهو ضعيف لوجهين : أحدهما - أن معنى الخطاب هنا بعيد . والثاني - أن تقدير ( وي ) اعلم ، لا نظير له ، وهو غير سائغ في كل موضع . انتهى . السابع : أن { وَيْكَأَنَّ } كلها كلمة مستقلة بسيطة . ومعناها ألم تر . وربما نقل ذلك عن ابن عباس . ونقل الفرّاء والكسائي أنها بمعنى ( أما ترى إلى صنع الله ) وحكى ابن قتيبة أنها بمعنى ( رحمة لك ) في لغة حمير . ولم يرسم في القرآن إلا ( ويكأن ) و ( وَيْكَأَنَّهُ ) متصلة في الموضعين . فعامة القراء اتبعوا الرسم . والكسائيّ وقف على ( وي ) وأبو عمرو على ( ويك ) . وهذا ما يستفاد من حواشي القاضي والسمين . وعندي أنها مركبة من ( وي ) للتعجب و ( كأن ) التي للتحقيق وهي أحد معانيها المعروفة . والوقف على ( وي ) . ولا يشكل على ذلك كتابتها في المصاحف متصلة ، لأن الكتابة - كما قال ابن كثير - أمر وضعيّ اصطلاحيّ ، والمرجع إلى اللفظ العربي . وقد اتفق اللغويون على أن ( وي ) كلمة تعجب . يقال ( ويك ) و ( وي لزيد ) , وتدخل على ( كأن ) المخففة والمشددة ، ومن شواهد الأولى قول الشاعر : @ سَالَتَانِي الطلاقَ . أَنْ رَأَتَاني قَلَّ مَالي . قد جئتماني بنُكر وىْ كأن من يكُن له نَشَبٌ يحـ بب ومن يَفتَقر يَعِش عيشَ ضُرِّ @@ وهذا البيت مما يدل على ما استظهرته ، بلهَ الاستعمال إلى هذه الأجيال . قال ابن كثير : وقد ذكر ههنا إسرائيليات ، أضربنا عنها صفحاً . ونحن تأسينا به ، بل فقناه في الإضراب عن كثير من مرويّه ، الموقوف والضعيف الذي سوّدت به الصحف . ثم أشار تعالى إلى مقابل حال قارون ، من حال خلص عباده ، بقوله سبحانه : { تِلْكَ ٱلدَّارُ ٱلآخِرَةُ … } .