Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 29, Ayat: 25-29)
Tafsir: Maḥāsin at-Taʾwīl
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
{ وَقَالَ إِنَّمَا ٱتَّخَذْتُمْ مِّن دُونِ ٱللَّهِ أَوْثَاناً مَّوَدَّةَ بَيْنِكُمْ فِي ٱلْحَيَاةِ ٱلدُّنْيَا } أي : لتتوادّوا بينكم وتتواصلوا ، لاجتماعكم على عبادتها { ثُمَّ يَوْمَ ٱلْقِيَامَةِ يَكْفُرُ بَعْضُكُمْ بِبَعْضٍ وَيَلْعَنُ بَعْضُكُمْ بَعْضاً } أي تتجاحدون ما كان بينكم ، ويلعن الأتباعُ المتبوعين ، والمتبوعون الأتباعَ . كما قال تعالى : { كُلَّمَا دَخَلَتْ أُمَّةٌ لَّعَنَتْ أُخْتَهَا } [ الأعراف : 38 ] ، وقال تعالى : { ٱلأَخِلاَّءُ يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إِلاَّ ٱلْمُتَّقِينَ } [ الزخرف : 67 ] { وَمَأْوَاكُمُ ٱلنَّارُ وَمَا لَكُمْ مِّن نَّاصِرِينَ } . تنبيه قال السمين : في ( ما ) من قوله تعالى : { إِنَّمَا ٱتَّخَذْتُمْ } ثلاثة أوجه : أحدها : أنها موصولة بمعنى ( الذي ) والعائد محذوف ، وهو المفعول الأول { أَوْثَاناً } مفعول ثان . والخبر ( مودة ) في قراءة من رفع . والتقدير : إن الذي اتخذتموه أوثاناً مودة ، أي : ذو مودة ، أو جعل نفس المودة مبالغة . ومحذوف على قراءة من نصب { مَّوَدَّةَ } أي : الذي اتخذتموه أوثاناً لأجل المودة لا ينفعكم ، أو يكون عليكم ، لدلالة قوله : { ثُمَّ يَوْمَ ٱلْقِيَامَةِ يَكْفُرُ بَعْضُكُمْ بِبَعْضٍ } . والثاني : أن تجعل ( ما ) كافة ، و { أَوْثَاناً } مفعول به . و ( الاتخاذ ) هاهنا متعد لواحد . أو لاثنين ، والثاني هو { مِّن دُونِ ٱللَّهِ } فمن رفع ( مودة ) كانت خبر مبتدأ مضمر ، أي : هي مودة أي ذات مودة . أو جعلت نفس المودة مبالغة . والجملة حينئذ صفة لِـ { أَوْثَاناً } أو مستأنفة . ومن نصب كان مفعولاً له ، أو بإضمار ( أعني ) . الثالث : أن تجعل ( ما ) مصدرية ، وحينئذ يجوز أن يقدر مضاف من الأول . أي : أن سبب اتخاذكم أوثانا مودة , فيمن رفع ( مودة ) ويجوز أن لا يقدر ، بل يجعل نفس الاتخاذ هو المودة مبالغة . ومن القراء من رفع ( مودة ) غير منونة وجرّ ( بينكم ) ومنهم من نصب ( مودة ) منونة ونصب ( بينكم ) ومنهم من نصب { مَّوَدَّةَ } منونة وجرّ { بَيْنِكُمْ } . فالرفع تقدم . والنصب تقدم أيضاً فيه وجهان . وجوّز ثالث ، وهو أن يجعل مفعولاً ثانياً عن المبالغة والإضافة ، للاتساع في الظرف . ونقل عن عاصم أنه رفع ( مودة ) غير منونة ونصب ( بينكم ) وخرجت على إضافة ( مودة ) للظرف . وإنما بنى لإضافته إلى غير متمكن . اهأ . وأشار العلامة القاشانيّ : إلى جواز أن يكون قوله تعالى : { فِي ٱلْحَيَاةِ ٱلدُّنْيَا } خبراً لِـ ( ما ) إن كانت اسمية . وهو وجه لم يتعرض له المعرِبون هنا ، ولا مانع منه . وعبارته : إنما اتخذتم من دون الله ، شيئاً عبدتموه مودوداً فيما بينكم { فِي ٱلْحَيَاةِ ٱلدُّنْيَا } أو : إن كل ما اتخذتم من دون الله ، شيئاً مودوداً فيما بينكم في الحياة الدنيا ، أو : إن كل ما اتخذتم أوثاناً مودود في هذه الحياة الدنيا . أو لمودة بينكم في هذه ، على القراءتين . ثم قال : والمعنى أن المودة قسمان : مودة دنيوية ، ومودة أخروية . والدنيوية : منشؤها النفس ، والأخروية منشؤها الروح . فكل ما يحب ويودّ من دون الله ، لا لله ولا بمحبة الله ، فهو محبوب بالمودة النفسية . وهو هوى زائل ، كلما انقطعت الوصلة البدينة زالت ولم تصل إلى إحدى القيامات ، فإنها نشأت من تركيب البدن واعتدال المزاج . فإذا انحلّ التركيب وانحرف المزاج ، تلاشت وبقي التضادّ والتعاند ، بمقتضى الطبائع ، لقوله تعالى : { ثُمَّ يَوْمَ ٱلْقِيَامَةِ يَكْفُرُ بَعْضُكُمْ بِبَعْضٍ } الآية . ولهذا شبهها ببيت العنكبوت في الوهن . وأما الأخروية فمنشؤها المحبة الإلهية . وتلك المودة هي التي تكون بين الأصفياء والأولياء ، لتناسب الصفات ، وتجانس الذوات ، لا تتصفى غاية الصفاء إلا عند زوال التركيب . فيصير يوم القيامة محبة صرفة الهيئة ، بخلاف تلك . انتهى . { فَآمَنَ لَهُ } أي : صدق إبراهيم فيما دعاه إليه { لُوطٌ وَقَالَ إِنِّي مُهَاجِرٌ } أي : من أرض قومي { إِلَىٰ رَبِّيۤ } أي لا إلى غيره بل إلى عبادته وإقامة شعائر دينه والقيام بدعوة الخلق إلى الحق من شرعه وتوحيده { إِنَّهُ هُوَ ٱلْعَزِيزُ ٱلْحَكِيمُ * وَوَهَبْنَا لَهُ } أي : لإبراهيم { إِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ } أي : ولداً ونافلة ، بمباركة الذرية { وَجَعَلْنَا فِي ذُرِّيَّتِهِ ٱلنُّبُوَّةَ وَٱلْكِتَابَ وَآتَيْنَاهُ أَجْرَهُ فِي ٱلدُّنْيَا } أي : بإيتاء الولد والذرية الطيبة واستمرار النبوة فيهم وانتماء أهل الملك إليه والثناء إلى آخر الدهر والصلاة عليه { وَإِنَّهُ فِي ٱلآخِرَةِ لَمِنَ ٱلصَّالِحِينَ * وَلُوطاً إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ إِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ ٱلْفَاحِشَةَ } أي : الفعلة المتناهية في القبح { مَا سَبَقَكُمْ بِهَا مِنْ أَحَدٍ مِّنَ ٱلْعَالَمِينَ } أي : لتحاشي الطباع عنها . ثم فصّلها بعد الإجمال ، لزيادة تنفير النفوس منها { أَئِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ ٱلرِّجَالَ وَتَقْطَعُونَ ٱلسَّبِيلَ } أي : سبيل النسل بإتيان ما ليس بحرث . أو بعمل قطاع الطريق من قتل الأنفس وأخذ الأموال { وَتَأْتُونَ فِي نَادِيكُمُ ٱلْمُنْكَرَ } أي : ما لا يليق من الأقوال والأفعال { فَمَا كَانَ جَوَابَ قَوْمِهِ إِلاَّ أَن قَالُواْ ٱئْتِنَا بِعَذَابِ ٱللَّهِ إِن كُنتَ مِنَ ٱلصَّادِقِينَ } .