Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 3, Ayat: 117-117)
Tafsir: Maḥāsin at-Taʾwīl
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
{ مَثَلُ مَا يُنْفِقُونَ فِي هَـٰذِهِ ٱلْحَيَاةِ ٱلدُّنْيَا } من المكارم ويواسون فيه من المغارم { كَمَثَلِ رِيحٍ فِيهَا صِرٌّ } أي : برد شديد كالصرصر { أَصَابَتْ حَرْثَ قَوْمٍ ظَلَمُوۤاْ أَنْفُسَهُمْ } بالكفر والمعاصي فباؤوا بغضب من الله { فَأَهْلَكَتْهُ } فكذا ريح الكفر إذا أصابت حرث إنفاق قومه تهلكه . فصار الظلم ريحاً لحصوله من هوى النفس ذات برودة شديدة لكونه ظلم الكفر الذي هو الموت المعنويّ فأهلكته - قاله المهايميّ - . { وَمَا ظَلَمَهُمُ ٱللَّهُ } بإهلاك حرثهم بإرسال ريح من عنده { وَلَـٰكِنْ أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ } بإرسال ريح الظلم الكفريّ على حرثهم الأخرويّ . لطائف إن قيل : الغرض تشبيه ما أنفقوا في ضياعه ، بالحرث الذي ضربته الصر ، وقد جعل ما ينفقون ممثلاً بالريح ، فما وجه المطابقة للغرض ؟ أجيب : بأن هذا من التشبيه المركب وهو ما حصلت فيه المشابهة بين ما هو المقصود من الجملتين ، وإن لم تحصل المشابهة بين أجزائيهما ، والمقصود تشبيه الحال بالحال ؛ ويجوز أن يراد : مثل إهلاك ما ينفقون كمثل إهلاك ريح أو مثل ما ينفقون كمثل مُهْلَكِ ريح فتحصل المشابهة . قال ناصر الدين في الانتصاف : والأقرب أن يقال أصل الكلام - والله أعلم - مثل ما ينفقون في هذه الحياة الدنيا كمثل حرث قوم ظلموا أنفسهم فأصابته ريح فيها صر فأهلكته ، ولكن خولف هذا النظم في المثل المذكور لفائدة جليلة . وهو تقديم ما هو أهم . لأن الريح التي هي مثل العذاب ، ذكرها في سياق الوعيد والتهديد أهم من ذكر الحرث . فقدمت عنايةً بذكرها ، واعتماداً على أن الأفهام الصحيحة تستخرج المطابقة برد الكلام إلى أصله على أيسر وجه . ومثل هذا ، في تحويل النظم لمثل هذه الفائدة ، قوله تعالى : { فَرَجُلٌ وَٱمْرَأَتَانِ مِمَّن تَرْضَوْنَ مِنَ ٱلشُّهَدَآءِ أَن تَضِلَّ إِحْدَاهُمَا فَتُذَكِّرَ إِحْدَاهُمَا … } [ البقرة : 282 ] الآية . ومثله أيضاً : أعددت هذه الخشبة أن يميل الحائط فأدعمه ، والأصل : أن تذكر إحداهما الأخرى إن ضلت . وأن أدعم بها الحائط إذا مال ، وأمثال ذلك كثيرة والله الموفق .