Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 3, Ayat: 128-128)
Tafsir: Maḥāsin at-Taʾwīl
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
{ لَيْسَ لَكَ مِنَ ٱلأَمْرِ شَيْءٌ } اعتراضاً لئلا يغفل رسول الله صلى الله عليه وسلم فيرى لنفسه تأثيراً في بعض هذه الأمور فيحتجب عن التوحيد ، أي : ليس لك من أمرهم شيء ، كيفما كان ، ما أنت إلا بشر مأمور بالإنذار . إن عليك إلا البلاغ ، إنما أمرهم إلى الله - أفاده القاشانيّ - وفي الاعتراض تخفيف من حزنه لكفرهم ، وحرصه على هداهم ، كما قال : { لَّيْسَ عَلَيْكَ هُدَاهُمْ وَلَـٰكِنَّ ٱللَّهَ يَهْدِي مَن يَشَآءُ } [ البقرة : 272 ] . وقوله تعالى : { أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ } . أي : مما هم فيه من الكفر فيهديهم للإسلام بعد الضلالة { أَوْ يُعَذِّبَهُمْ } أي : في الدنيا والآخرة على كفرهم وذنوبهم { فَإِنَّهُمْ ظَالِمُونَ } أي : يستحقون ذلك لاستمرارهم على العناد . روى البخاري عن أبي هريرة رضي الله عنه " أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا أراد أن يدعو على أحد أو يدعو لأحد , قَنَـتَ بعد الركوع , فربما قال , إذا قال سمع الله لمن حمده : " اللهم ! ربنا ولك الحمد : اللهم ! أنج الوليد بن الوليد وسلمة بن هشام وعياش بن أبي ربيعة , اللهم ! اشدد وطأتك على مضر واجعلها سنين كسني يوسف ، يجهر بذلك " ، وكان يقول في بعض صلاته في صلاة الفجر : " اللهم العن فلاناً وفلاناً " لأحياء من العرب حتى أنزل الله : { لَيْسَ لَكَ مِنَ ٱلأَمْرِ شَيْءٌ … } الآية " . وقد أسند ما علقه عن ابن عمر أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم ، إذا رفع رأسه من الركوع في الركعة الآخرة من الفجر ، يقول : " اللهم العن فلاناً وفلاناً وفلاناً بعد ما يقول : سمع الله لمن حمده ربنا ولك الحمد " . فأنزل الله : { لَيْسَ لَكَ مِنَ ٱلأَمْرِ شَيْءٌ … } الآية - ورواه الإمام أحمد عن ابن عمر أيضاً ولفظه : " اللهم العن فلاناً وفلاناً . اللهم العن الحارث بن هشام . اللهم العن سهيل بن عمرو ، اللهم العن صفوان بن أمية " فنزلت هذه الآية : { لَيْسَ لَكَ مِنَ ٱلأَمْرِ شَيْءٌ أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ … } الآية ، فتيب عليهم كلهم . وقال الإمام أحمد : حدثنا هشيم حدثنا حميد عن أنس رضي الله عنه " أن النبيّ صلى الله عليه وسلم كسرت رباعيته يوم أحد وشج في جبهته حتى سال الدم على وجهه ، فقال : " كيف يفلح قوم فعلوا هذا بنبيهم وهو يدعوهم إلى ربهم عز وجل " ، فأنزل الله : { لَيْسَ لَكَ مِنَ ٱلأَمْرِ شَيْءٌ أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ } " الآية - انفرد به مسلم . ورواه البخاريّ تعليقاً . وقد تقدم لنا في مقدمة التفسير تحقيق معنى سبب النزول ، وأن الآية قد تذكر استشهاداً في مقام ، لكونها مما تشمله . فيطلق الراوي عليها النزول فيه ، ولا يكون قصده أن هذا كان سبباً لنزولها . والحكمة في منعه صلى الله عليه وسلم من الدعاء عليهم ظهرت من توبتهم أخيراً . والإلحاح في الدعاء مظنة الإجابة ، ولاسيما من أشرف خلقه . فاقتضت حكمته تعالى إمهالهم إلى أن يتوبوا لِسَابقِ علمه فيهم . وفيه طَلب التفويض في الأمور الملمة ، لما في طيّها من الأسرار الإلهية . لطيفة قوله تعالى : { أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ } . منصوب بإضمار أن في حكم اسم معطوف بـ أو على الأمر أو على شيء ، أي : ليس لك من أمرهم شيء ، أو من التوبة عليهم ، أو من تعذيبهم ، أو ليس لك من أمرهم شيء أو التوبة عليهم أو تعذيبهم . أقول : جَعْلُ { أَوْ يَتُوبَ } منصوباً بالعطف على يكبتهم - بعيد جداً . وإن قدمه بعض المفسرين على الوجه المتقدم . وذلك لأن قوله تعالى : { لَيْسَ لَكَ } كلام مستأنف على ما صرحت به الروايات في سبب النزول . وهي المرجع في التأويل - والله أعلم .