Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 3, Ayat: 134-134)

Tafsir: Maḥāsin at-Taʾwīl

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

{ ٱلَّذِينَ يُنفِقُونَ فِي السَّرَّآءِ } أي : في حال الرخاء واليسر { وَٱلضَّرَّآءِ } أي : في حال الضيقة والعسر . وإنما افتتح بذكر الإنفاق لأنه أشق شيء على النفس ، فمخالفتها فيه منقبة شامخة { وَٱلْكَاظِمِينَ ٱلْغَيْظَ } أي : الممسكين عليه في نفوسهم ، الكافّين عن إمضائه مع القدرة عليه ، اتقاء التعدي فيه إلى ما وراء حقه . روى الإمام أحمد عن جارية بن قدامة السعديّ أنه سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : " يا رسول الله قل لي قولاً ينفعني عليّ لعليّ أعيه ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " لا تغضب " . فأعاد عليه . حتى أعاد عليه مرارا . كل ذلك يقول : " لا تغضب " - انفرد به أحمد - َوَروَى من طريق آخر " أن رجلاً قال : يا رسول الله أوصني ، قال : " لا تغضب " . قال الرجل : ففكرت حين قال النبيّ صلى الله عليه وسلم ما قال ، فإذا الغضب يجمع الشر كله " . { وَٱلْعَافِينَ عَنِ ٱلنَّاسِ } أي : ظلمهم لهم ، ولو كانوا قد قتلوا منهم ، فلا يؤاخذون أحداً بما يجني عليهم ، ولا يبقى في أنفسهم موجدة ، كما قال تعالى : { وَإِذَا مَا غَضِبُواْ هُمْ يَغْفِرُونَ } [ الشورى : 37 ] . قال القفال رحمه الله : يحتمل أن يكون هذا راجعاً إلى ما ذم من فعل المشركين في أكل الربا . فنهى المؤمنون عن ذلك ، وندبوا من المعسرين ، قال تعالى عقيب قصة الربا والتداين : { وَإِن كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلَىٰ مَيْسَرَةٍ وَأَن تَصَدَّقُواْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ } [ البقرة : 280 ] . ويحتمل أن يكون كما قال تعالى في الدية : { فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ } [ البقرة : 178 ] . إلى قوله : { وَأَن تَصَدَّقُواْ خَيْرٌ لَّكُمْ } [ البقرة : 280 ] ويحتمل أن يكون هذا بسبب غضب رسول الله صلى الله عليه وسلم حين مثلوا بحمزة وقال : " لأمثلنّ بهم " . فندب إلى كظم هذا الغيظ والصبر عليه والكف عن فعل ما ذكر أنه يفعله من المُثْلَة ، فكان تركه فعل ذلك عفواً . قال تعالى في هذه القصة : { وَإِنْ عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُواْ بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُمْ بِهِ وَلَئِن صَبَرْتُمْ لَهُوَ خَيْرٌ لِّلصَّابِرينَ } [ النحل : 126 ] - انتهى - . وظاهر أن عموم الآية مما يشمل كل ما ذكر ؛ إذ لا تعيين . { وَٱللَّهُ يُحِبُّ ٱلْمُحْسِنِينَ } اللام إما للجنس ، وهم داخلون فيه دخولاً أولياً . وإما للعهد ، عبر عنهم بالمحسنين إيذاناً بأن النعوت المعدودة من باب الإحسان الذي هو الإتيان بالأعمال على الوجه اللائق الذي هو حسنها الوصفيّ المستلزم لحسنها الذاتيّ ، وقد فسره صلى الله عليه وسلم بقوله : " أن تعبد الله كأنك تراه ، فإن لم تكن تراه ، فإنه يراك " والجملة تذييل مقرر لمضمون ما قبلها - أفاده أبو السعود .