Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 3, Ayat: 144-144)
Tafsir: Maḥāsin at-Taʾwīl
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
{ وَمَا مُحَمَّدٌ إِلاَّ رَسُولٌ } والرسل منهم من مات ، ومنهم من قتل ، فلا منافاة بين الرسالة والقتل والموت ، إذ { قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِ ٱلرُّسُلُ } فسيخلو كما خلوا { أَفإِنْ مَّاتَ } أي : أتؤمنون به في حال حياته فإن مات { أَوْ قُتِلَ ٱنْقَلَبْتُمْ } أي : ارتددتم { عَلَىٰ أَعْقَابِكُمْ } أي : بعد علمكم بخلو الرسل قبله ، وبقاء دينهم ، متمسكاً به { وَمَن يَنقَلِبْ عَلَىٰ عَقِبَيْهِ فَلَن يَضُرَّ ٱللَّهَ شَيْئاً } وإنما يضر نفسه بتعريضها للسخط والعذاب { وَسَيَجْزِي ٱللَّهُ ٱلشَّاكِرِينَ } بالنصر والغلبة في الدنيا ، والثواب والرضوان في الآخرة ، وهم الذين لم ينقلبوا ، بل قاموا بطاعته ، وقاتلوا على دينه ، واتبعوا رسوله حيّاً وميتاً . وسمّاهم { شَّاكِرِينَ } لأنهم شكروا نعمة الإسلام الذي هو أجل نعمة وأعز معروف . والمعنى : أن من كان على يقين من دينه ، وبصيرة من ربه ، لا يرتد بموت الرسول وقتله ، ولا يَفْتُر عما كان عليه ، لأنه يجاهد لربه لا للرسول ، كأصحاب الأنبياء السالفين ، كما قال أنس عم أنس بن مالك ، يوم أحد حين أرْجف بقتل رسول الله عليه السلام وشاع الخبر ، وانهزم المسلمون ، وبلغ إليه تفاؤل بعضهم : ليت فلانا يأخذ لنا أماناً من أبي سفيان ، وقول المنافقين : لو كان نبياً ما قتل : يا قوم ! إن كان محمد قد قتل ، فإن رب محمد حي لا يموت ، وما تصنعون بالحياة بعد رسول الله ، فقاتلوا على ما قاتل عليه ، وموتوا على ما مات عليه ، ثم قال : اللهم إني أعتذر إليك مما يقول هؤلاء ، وأبرأ إليك مما جاء هؤلاء ، ثم شد بسيفه وقاتل حتى قُتل - أفاده القاشاني . روى ابن أبي نجيح عن أبيه أن رجلاً من المهاجرين مرّ على رجل من الأنصار وهو يتشحط في دمه ، فقال له : يا فلان ! أشعرت أن محمداً صلى الله عليه وسلم قد قتل ؟ فقال الأنصاريّ : إن كان محمد قد قتل ، فقد بلّغ ، فقاتلوا عن دينكم ، فنزل { وَمَا مُحَمَّدٌ … } الآية . ورواه أبو بكر البيهقيّ في دلائل النبوة . قال الإمام ابن القيّم في زاد المعاد : ومنها - أي : من الغايات في هذه الغزوة - أن وقعة أحد كانت مقدمة وإرهاصاً بين يدي موت رسول الله صلى الله عليه وسلم . فنبأهم ووبخهم على انقلابهم على أعقابهم إن مات رسول الله صلى الله عليه وسلم أو قتل . بل الواجب له عليهم أن يثبتوا على دينه وتوحيده ، ويموتوا عليه ويُقتلوا ، فإنهم إنما يعبدون رب محمد وهو حيّ لا يموت ، فلو مات محمد أو قتل لا ينبغي لهم أن يصرفهم ذلك عن دينه ، وما جاء به ، فكل نفس ذائقة الموت ، وما بعث محمد صلى الله عليه وسلم إليهم ليخلد ، لا هو ولا هم ، بل ليموتوا على الإسلام والتوحيد ، فإن الموت لا بد منه ، فسواء مات رسول الله صلى الله عليه وسلم أو بقي . ولهذا وبخهم على رجوع من رجع منهم عن دينه لما صرخ الشيطان بأن محمداً قد قتل ، فقال : { وَمَا مُحَمَّدٌ إِلاَّ رَسُولٌ … } الآية - والشاكرون هم الذين عرفوا قدر النعمة ، فثبتوا عليها حتى ماتوا وقتلوا ، فظهر أثر هذا العتاب ، وحكم هذا الخطاب يوم مات رسول الله صلى الله عليه وسلم وارتد من ارتد على عقبيه ، وثبت الشاكرون على دينهم فنصرهم الله وأعزهم ، وأظفرهم بأعدائهم ، وجعل العاقبة لهم - انتهى . وثبت في الصحيح أن أبا بكر الصديق رضي الله عنه تلا هذه الآية يوم موت النبيّ صلى الله عليه وسلم . وتلاها منه الناس كلهم ، والحديث مشهور . ثم أخبر تعالى أنه جعل لكل نفس أجلاً ، لا بد أن تستوفيه وتلحق به ، فيرد الناس كلهم حوض المنايا مورداً واحداً ، وإن تنوعت أسبابه ، ويصدرون عن موقف القيامة مصادر شتى ، فريق في الجنة وفريق في السعير ، بقوله : { وَمَا كَانَ لِنَفْسٍ أَنْ تَمُوتَ إِلاَّ بِإِذْنِ ٱللهِ كِتَٰباً مُّؤَجَّلاً وَمَن يُرِدْ ثَوَابَ ٱلدُّنْيَا نُؤْتِهِ مِنْهَا وَمَن يُرِدْ … } .