Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 3, Ayat: 14-14)
Tafsir: Maḥāsin at-Taʾwīl
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
{ زُيِّنَ لِلنَّاسِ } كلام مستأنف سيق لبيان حقارة شأن الحظوظ الدنيوية بأصنافها ، وتزهيد الناس فيها ، وتوجيه رغباتهم إلى ما عنده تعالى ، إثرَ بيان عدم نفعها للكفرة الذي كانوا يتعززون بها . والمراد بالناس : الجنس - قاله أبو السعود - { حُبُّ ٱلشَّهَوَاتِ } أي : المشتهيات ، وعبر عنها بذلك مبالغة في كونها مشتهاة مرغوباً فيها ، أو تخسيساً لها ، لأن الشهوة مسترذلة عند الحكماء ، مذموم من اتبعها ، شاهد على نفسه بالبهيمية ، { مِنَ ٱلنِّسَاءِ } في تقديمهن إشعار بعراقتهن في معنى الشهوة إذ يحصل منهن أتم اللذات { وَٱلْبَنِينَ } للتكثر بهم ، وأمل قيامهم مقامهم من بعدهم ، والتفاخر والزينة { وَٱلْقَنَاطِيرِ } أي : الأموال الكثيرة ، وقوله { ٱلْمُقَنْطَرَةِ } مأخوذة منها للتوكيد كقولهم ألف مؤلفة ، وبدرة مبدرة ، وإبل مؤبلة ، ودراهم مدرهمة { مِنَ ٱلذَّهَبِ وَٱلْفِضَّةِ } قال الرازيّ : وإنما كانا محبوبين لأنهما جعلا ثمن جميع الأشياء ، فمالكهما كالمالك لجميع الأشياء ، وصفة المالكية هي القدرة ، والقدرة صفة كمال ، والكمال محبوب لذاته ، فلما كان الذهب والفضة أكمل الوسائل إلى تحصيل هذا الكمال الذي هو محبوب لذاته وما لا يوجد المحبوب إلا به فهو محبوب - لا جرم كانا محبوبين { وَٱلْخَيْلِ ٱلْمُسَوَّمَةِ } أي : المرسلة إلى المرعى ترعى حيث شاءت ، أو التي عليها السيمياء - أي : العلامة - قال أبو مسلم : المراد من هذه العلامات الأوضاح والغرر التي تكون في الخيل ، وهي أن تكون الأفراس غراً محجلة { وَٱلأَنْعَامِ } جمع نعم وهي الإبل والبقر والغنم لتحصيل الأموال النامية { وَٱلْحَرْثِ } أي : الأرض المتخذة للغراس والزراعة . { ذٰلِكَ } أي : المذكور { مَتَاعُ ٱلْحَيَاةِ ٱلدُّنْيَا } يتمتع به فيها ثم يفنى { وَٱللَّهُ عِنْدَهُ حُسْنُ ٱلْمَآبِ } أي : المرجع وهو الجنة ، فينبغي الرغبة فيه دون غيره . وفي إشعاره ذم من يستعظم تلك الشهوات ويتهالك عليها ، ويرجح طلبها على طلب ما عند الله ، وتزهيد في الدنيا وترغيب في الآخرة . تنبيه في تزيين هذه الأمور المذكورات للناس إشارة لما تضمنته من الفتن : فأما النساء ، ففي الصحيح أنه صلى الله عليه وسلم قال : " ما تركت بعدي فتنة أضر على الرجال من النساء " . وأما البنون ، ففي مسند أبي يعلى عن أبي سعيد مرفوعاً : " الولد ثمرة القلب ، وإنه مجبنة مبخلة محزنة " ، أي : يجبن أبوه عن الجهاد خوف ضيعته ، ويمتنع أبوه من الإنفاق في الطاعة خوف فقره ، ويحزن أبوه لمرضه خوف موته ، وقد قال تعالى : { إِنَّ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ وَأَوْلاَدِكُمْ عَدُوّاً لَّكُمْ فَٱحْذَرُوهُمْ } [ التغابن : 14 ] ، وقيل لبعض النساك : ما بالك لا تبتغي ما كتب الله لك ؟ قال : سمعاً لأمر الله . ولا مرحباً بمن عاش فتنني ، وإن مات أحزنني . يريد قوله تعالى : { إِنَّمَآ أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلاَدُكُمْ فِتْنَةٌ وَٱللَّهُ عِنْدَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ } [ التغابن : 15 ] . وأما القناطير المقنطرة ففيها الآية قبل ، وقوله تعالى : { كَلاَّ إِنَّ ٱلإِنسَانَ لَيَطْغَىٰ * أَن رَّآهُ ٱسْتَغْنَىٰ } [ العلق : 6 - 7 ] وقال تعالى : { وَإِذَآ أَنْعَمْنَا عَلَى ٱلإِنسَانِ أَعْرَضَ وَنَأَى بِجَانِبِهِ } [ الإسراء : 83 ، فصلت : 51 ] ، فما يورث البطر مثل الغنى ، وبه تستجمع أسباب السؤدد والرئاسة والمجد والتفاخر . وأما الخيل فقد تكون على صاحبها وزراً : إذا ربطها فخراً ورياءً ونواء لأهل الإسلام ، كما في الصحيح وفي مسند أحمد عن ابن مسعود مرفوعاً : " الخيل ثلاثة : ففرس للرحمن وفرس للإنسان ، وفرس للشيطان . فأما فرس الرحمن فالذي يربط في سبيل الله ، فعلفه وروثه وبوله وذكر ما شاء الله ؛ وأما فرس الشيطان : فالذي يقامَر أو يراهَن عليه ، وأما فرس الإنسان فالفرس يرتبطها الإنسان يلتمس بطنَها فهي تَسْتُرُ من فقرٍ " . وأما الفتنة بالأنعام والحرث ففي معنى ما تقدم . والله أعلم . ولما ذكر تعالى ما عنده من حسن المآب إجمالاً ، أشار إلى تفصيله مبالغة في الترغيب فقال : { قُلْ أَؤُنَبِّئُكُمْ بِخَيْرٍ مِّن ذٰلِكُمْ لِلَّذِينَ ٱتَّقَوْا عِندَ رَبِّهِمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي … } .