Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 3, Ayat: 161-161)
Tafsir: Maḥāsin at-Taʾwīl
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
{ وَمَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَغُلَّ } قرئ بالبناء للمعلوم ، أي : ما صح وما تأتَّي لنبي من الأنبياء أن يخون في المغنم ، بعد مقام النبوة وعصمة الأنبياء عن جميع الرذائل ، وعن تأثير دواعي النفس والشيطان فيهم ؛ وبالبناء للمجهول ، أي : ما صح أن ينسب إلى الغلول ويُخَوَّن . روى أبو داود والترمذيّ عن ابن عباس قال : نزلت هذه الآية : { وَمَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَغُلَّ } ، في قطيفة حمراء افتقدت يوم بدر ، فقال بعض الناس : لعل رسول الله أخذها ، فأنزل الله : { وَمَا كَانَ لِنَبِيٍّ … } الآية . قال الترمذيّ : حسن غريب . ورواه ابن مردويه عن ابن عباس أيضاً ، ولفظه : اتهم المنافقون رسول الله صلى الله عليه وسلم بشيء فُقِدَ ، فأنزل الله تعالى : { وَمَا كَانَ لِنَبِيٍّ … } الآية - وهذا تنزيه لمقامه صلى الله عليه وسلم الرفيع وتنبيه على عصمته . ثم أشار إلى وعيد الغلول بقوله : { وَمَن يَغْلُلْ يَأْتِ بِمَا غَلَّ يَوْمَ ٱلْقِيَامَةِ } أي : بعينه ، حاملاً له على ظهره ، ليفتضح في المحشر ، كما روى الشيخان عن أبي هريرة قال : " قام فينا رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات يوم ، فذكر الغلول فعظمه وعظم أمره ، ثم قال : " لا أُلْفِيَنَّ أحدكم يجيء يوم القيامة على رقبته بعير له رغاء يقول : يا رسول الله أغثني ، فأقول : لا أملك لك شيئاً فقد أبلغتك - لا ألفين أحدكم يجيء يوم القيامة على رقبته فرس له حمحمة فيقول : يا رسول الله أغثني فأقول : لا أملك لك شيئاً قد أبلغتك - لا ألفين أحدكم يجيء يوم القيامة على رقبته شاة لها ثغاء يقول : يا رسول الله أغثني فأقول : لا أملك لك شيئاً قد أبلغتك - لا ألفين أحدكم يجيء يوم القيامة على رقبته نفس لها صياح فيقول : يا رسول الله أغثني فأقول : لا أملك لك شيئاً قد أبغلتك - لا ألفين أحدكم يجيء يوم القيامة على رقبته رقاع تخفق فيقول : يا رسول الله أغثني فأقول : لا أملك شيئاً ، قد أبلغتك - لا ألفين أحدكم يجيء يوم القيامة على رقبته صامت فيقول : يا رسول الله أغثني فأقول : لا أملك لك شيئاً قد بلغت " - لفظ مسلم . وروى البخاريّ عن عبد الله بن عمرو بن العاص قال : كان على ثقل رسول الله صلى الله عليه وسلم رجل يقال له : كركرة فمات ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ، " هو في النار ، فذهبوا ينظرون إليه فوجدوا عباءة قد غلّها " . وعن زيد بن خالد الجهنيّ أن رجلاً من أصحاب النبيّ صلى الله عليه وسلم توفى يوم خيبر ، فذكروا ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : " صلوا على صاحبكم " ، فتغيرت وجوه الناس لذلك ، فقال : " إن صاحبكم غلّ في سبيل الله " ، ففتشنا متاعه ، فوجدنا خرزاً من خرز اليهود لا يساوي درهمين - أخرجه أبو داود والنسائيّ . وروى عبد الله ابن الإمام أحمد عن عبادة بن الصامت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يأخذ الوبرة من جنب البعير من المغنم فيقول : " ما لي فيه إلا مثل ما لأحدكم منه . إياكم والغلول ، فإن الغلول خزي على صاحبه يوم القيامة ، أدوا الخيط والمخيط وما فوق ذلك . وجاهدوا في سبيل الله القريب والبعيد في الحضر والسفر . فإن الجهاد باب من أبواب الجنة . إنه لينجي الله تبارك وتعالى به من الهم والغم ، وأقيموا حدود الله في القريب والبعيد . ولا تأخذكم في الله لومة لائم " وروى ابن ماجة بعضه . وروى الإمام أحمد عن عبد الله بن عباس قال : حدثني عمر بن الخطاب قال : لما كان يوم خيبر ، أقبل نفر من صحابة النبيّ صلى الله عليه وسلم فقالوا : فلان شهيد . فلان شهيد . حتى أتوا على رجل فقالوا : فلان شهيد . فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " كلا إني رأيته في النهار في بردة غلها أو عباءة " ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " يا ابن الخطاب ! اذهب فناد في الناس إنه لا يدخل الجنة إلا المؤمنون قال : فخرجت فناديت : ألا إنه لا يدخل الجنة إلا المؤمنون " وكذا رواه مسلم والترمذيّ . وروى أبو داود عن سمرة بن جندب قال : " كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا غنم غنيمة أمر بلالاً فينادي في الناس ، فيجوزوا بغنائمهم فيخمسه ويقسمه ، فجاء رجل بعد ذلك بزمام من شعر فقال : يا رسول الله هذا فيما كنا أصبناه من الغنيمة . فقال : " أسمعت بلالاً ينادي ثلاثاً ؟ " قال : نعم . قال : " فما منعك أن تجيء ؟ " فاعتذر . فقال : " كن أنت تجيء به يوم القيامة ، فلن أقبله منك " " . تنبيه من المفسرين من جعل الإتيان بالغلول يوم القيامة مجازاً عن الإتيان بإثمه تعبيراً بما غلّ عما لزمه من الإثم مجازاً . قال أبو مسلم : المراد أن الله تعالى يحفظ عليه هذا الغلول ويعزره عليه يوم القيامة ويجازيه لأنه لا يخفى عليه خافية . وقال أبو القاسم الكعبيّ : المراد أنه يشتهر بذلك ، مثل اشتهار من يحمل ذلك الشيء . وناقشهما الرازيّ ّبأن هذا التأويل يحتمل ، إلا أن الأصل المعتبر في علم القرآن أنه يجب إجراء اللفظ على الحقيقة ، إلا إذا قام دليل يمنعه منه ، وههنا لا مانع من الظاهر ، فوجب إثباته - انتهى . ومما يؤيده قوله صلى الله عليه وسلم : " له رغاء ، له حمحمة … " الخ الظاهر في الحقيقة زيادة في النكال . { ثُمَّ تُوَفَّىٰ كُلُّ نَفْسٍ مَّا كَسَبَتْ } تعطى جزاء ما كسبت وافياً ، وإنما عمم الحكم ولم يقل : ثم يوفى ما كسب ، ليكون كالبرهان على المقصود ، والمبالغة فيه ، فإنه إذا كان كل كاسب مجزيا بعمله ، فالغالُّ ، مع عظم جرمه بذلك أولى { وَهُمْ } أي : الناس المدلول عليهم بكل نفس { لاَ يُظْلَمُونَ } فلا ينقص ثواب مطيعهم ، ولا يزاد في عقاب عاصيهم .