Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 3, Ayat: 171-171)
Tafsir: Maḥāsin at-Taʾwīl
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
{ يَسْتَبْشِرُونَ بِنِعْمَةٍ مِّنَ ٱللَّهِ وَفَضْلٍ وَأَنَّ ٱللَّهَ لاَ يُضِيعُ أَجْرَ ٱلْمُؤْمِنِينَ } أي : يسرون بما أنعم الله عليهم ، وما تفضل عليهم من زيادة الكرامة ، وتوفير أجرهم عليهم . قال أبو السعود : كرّر لبيان أن الاستبشار المذكور ليس بمجرد عدم الخوف والحزن ، بل به وبما يقارنه من نعمة عظيمة ، لا يقادر قدرها ، وهي ثواب أعمالهم . ثم قال : والمراد بالمؤمنين : إما الشهداء ، والتعبير عنهم بالمؤمنين للإيذان بسمو رتبة الإيمان ، وكونه مناطاً لما نالوه من السعادة . وإما كافة أهل الإيمان من الشهداء وغيرهم ، ذكرت توفية أجورهم على إيمانهم ، وعدّت من جملة ما يستبشر به الشهداء بحكم الأخوة في الدين - انتهى . وقال ابن القيّم : إن الله تعالى عزّى نبيه وأولياءه عمن قتل منهم في سبيله أحسن تعزية وألطفها وأدعاها إلى الرضا بما قضاه لهم بقوله : { وَلاَ تَحْسَبَنَّ … } الآيات - فجمع لهم إلى الحياة الدائمة ، منزلة القرب منه ، وأنهم عنده ، وجريان الرزق المستمر عليهم ، وفرحهم بما آتاهم من فضله ، وهو فوق الرضا ، بل هو كمال الرضا ، واستبشارهم بإخوانهم الذين باجتماعهم بهم يتم سرورهم ونعيمهم ، واستبشارهم بما يجدد لهم كل وقت من نعمته وكرامته ، وذكرهم سبحانه في أثناء هذه المحنة بما هو أعظم مننه ونعمة عليهم ، التي قابلوا بها كل محنة تنالهم وبيلة تلاشت في جنب هذه المنة والنعمة ، ولم يبق لها أثر البتة ، وهي منتَّه عليهم بإرسال رسول من أنفسهم يتلوا عليهم آياته ويزكيهم ويعلمهم الكتاب والحكمة وينقذهم من الضلال ، الذي كانوا فيه قبل إرساله ، إلى الهدى ، ومن الشقاء إلى الفلاح ، ومن الظلمة إلى النور ، ومن الجهل إلى العلم . فكل بلية ومحنة تنال العبد بعد حصول هذا الخبر العظيم له ، أمر يسير جداً في جنب الخير الكثير . كما ينال الناس بأذى المطر ، في جنب ما يحصل لهم به من الخير . وأعلمهم أن سبب المصيبة من عند أنفسهم ، ليحذروا ، وأنها بقضائه وقدره ليوحدوه ويتكلوا عليه ، ولا يخافوا غيره ، وأخبرهم بما له فيها من الحكم ، لئلا يتهموا في قضائه وقدره ، وليتعرف إليهم بأنواع صفاته وأسمائه . وسلاّهم بما أعطاهم مما هو أجلّ قدراً وأعظم خطراً مما فاتهم من النصر والغنيمة ، وعزّاهم عن قتلاهم بما نالوه من ثوابه وكرامته ، لينافسوا فيه ، ولا يحزنوا عليهم ، فله الحمد كما هو أهله ، وكما ينبغي لكرم وجهه ، وعز جلاله . ثم قال ابن القيّم : ولما انقضت الحرب ، انكفأ المشركون ، فظن المسلمون أنهم قصدوا المدينة لإحراز الذراريّ والأموال ، فشق ذلك عليهم ، فقال النبيّ صلى الله عليه وسلم لعليّ بن أبي طالب : " اخرج في آثار القوم فانظر ماذا يصنعون ، وماذا يريدون ، فإن هم جنبوا الخيل ، وامتطوا الإبل ، فإنهم يريدون مكة ، وإن كانوا ركبوا الخيل ، وساقوا الإبل ، فإنهم يريدون المدينة ، فوالذي نفسي بيده ! لئن أرادوها لأسيرن إليهم ، ثم لأناجزهم فيها " قال عليّ : فخرجت في آثارهم أنظر ماذا يصنعون ، فجنبوا الخيل ، وامتطوا الإبل ، ووجهوا مكة . ولما عزموا على الرجوع إلى مكة ، أشرف على المسلمين أبو سفيان ، ثم ناداهم : موعدكم الموسم ببدر . فقال النبيّ صلى الله عليه وسلم : " قولوا نعم قد فعلنا " قال أبو سفيان : فذلكم الموعد . ثم انصرف هو وأصحابه . فلما كان في بعض الطريق ، تلاوموا فيما بينهم ، وقال بعضهم لبعض : لم تصنعوا شيئاً ! أصبتم شوكتهم وحدهم ، ثم تركتموهم ، وقد بقى منهم رؤوس يجمعون لكم ، فارجعوا حتى نستأصل شأفتهم ، فبلغ ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فنادى في الناس ، وندبهم إلى المسير إلى لقاء عدوهم ، وقال : " لا يخرج معنا إلا من شهد القتال " ، فقال له عبد الله بن أبيّ : أركب معك ، قال : " لا " . فاستجاب له المسلمون على ما بهم من الجرح الشديد والخوف ، وقالوا : سمعاً وطاعة . واستأذنه جابر بن عبد الله وقال : يا رسول الله ! إني أحب أن لا تشهد مشهداً إلا كنت معك ، وإنما خلفني أبي على بناته فَأْذن لي أسير معك ، فأذن له ، فسار رسول الله صلى الله عليه وسلم والمسلمون معه حتى بلغوا حمراء الأسد ، وأقبل معبد بن أبي معبد الخزاعيّ إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأسلم . فأمره أن يلحق بأبي سفيان فيخذله ، فلحقه بالروحاء - ولم يعلم بإسلامه - فقال : ما وراءك يا معبد ؟ فقال : محمد وأصحابه قد تحرقوا عليكم ، وخرجوا في جمع لم يخرجوا مثله ، وقد ندم من كان تخلف عنهم من أصحابهم . فقال : ما تقول ؟ فقال : ما أرى أن ترتحل حتى يطلع أول الجيش من وراء هذه الأكمة ، فقال أبو سفيان : والله لقد أجمعنا الكرة عليهم لنستأصلهم ، قال : فلا تفعل ، فإني لك ناصح ، فرجعوا على أعقابهم إلى مكة - انتهى . وإلى ذلك الإشارة بقوله تعالى : { ٱلَّذِينَ ٱسْتَجَابُواْ للَّهِ وَٱلرَّسُولِ مِن بَعْدِ مَآ أَصَابَهُمُ ٱلْقَرْحُ لِلَّذِينَ أَحْسَنُواْ … } .