Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 3, Ayat: 188-188)
Tafsir: Maḥāsin at-Taʾwīl
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
{ لاَ تَحْسَبَنَّ ٱلَّذِينَ يَفْرَحُونَ بِمَآ أَتَوْاْ } أي : بما فعلوا من اشتراء الثمن القليل بتغيير كلام الله تعالى : { وَّيُحِبُّونَ أَن يُحْمَدُواْ بِمَا لَمْ يَفْعَلُواْ } من وفاء الميثاق من غير تغيير ولا كتمان { فَلاَ تَحْسَبَنَّهُمْ بِمَفَازَةٍ } أي : بمنجاة { مِّنَ ٱلْعَذَابِ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ } بكفرهم وتدليسهم . روى الإمام أحمد عن حميد بن عبد الرحمن بن عوف ، أن مروان قال : اذهب يا رافع لبوابه إلى ابن عباس فقل : لئن كان كل امرئ منا فرح بما أوتي ، وأحب أن يحمد بما لم يفعل ، لنعذبن أجمعون . فقال ابن عباس ما لكم وهذه ، إنما نزلت هذه في أهل الكتاب ، ثم تلا ابن عباس : { وَإِذْ أَخَذَ ٱللَّهُ مِيثَاقَ ٱلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلْكِتَابَ } [ آل عمران : 187 ] إلى قوله : { وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ } ، وقال ابن عباس : سألهم النبي صلى الله عليه وسلم عن شيء فكتموه إياه وأخبروه بغيره ، فخرجوا قد أروه أن قد أخبروه بما سألهم عنه واستحمدوا بذلك إليه وفرحوا بما أتوا من كتمانهم إياه ما سألهم عنه . وهكذا رواه البخاريّ في التفسير ، ومسلم الترمذيّ والنسائيّ في تفسيريهما ، وابن أبي حاتم وابن خزيمة والحاكم في مستدركه ، وابن مردويه بنحوه . ورواه البخاريّ أيضاً عن علقمة بن وقاص ، أن مروان قال لبوابه : اذهب يا رافع إلى ابن عباس - فذكره - وروى البخاريّ عن أبي سعيد الخدريّ أن رجالاً من المنافقين كانوا إذا خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الغزو وتخلفوا عنه ، وفرحوا بمقعدهم خلاف رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فإذا قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم من الغزو اعتذروا إليه وحلفوا وأحبوا أن يحمدوا بما لم يفعلوا ، فنزلت : { لاَ تَحْسَبَنَّ … } الآية - وكذا رواه مسلم بنحوه . ولا منافاة بين الروايتين ، لأن الآية عامة في جميع ما ذكر ، ومعنى نزول الآية في ذلك وقوعها بعد ذلك ، لا أن أحد الأمرين كان سبباً لنزولها . كما حققناه غير مرة . تنبيه هذه الآية ، وإن كانت محمولة على الكفار لما تقدم ، ففيها ترهيب للمؤمنين عما ذم عليه أهلها من الإصرار على القبائح والفرح بها ومحبة المدح بما عرا عنه من الفضائل . ويدخل في ذلك المراؤون المتكثرون بما لم يعطوا ، كما جاء في الصحيحين عن النبيّ صلى الله عليه وسلم : " من ادعى دعوى كاذبة ليتكثر بها لم يزده الله إلا قلة " . وفي الصحيحين أيضاً : " المتشبع بما لم يعط كلابس ثوبي زور " فليحذر من يأتي بما لا ينبغي ويفرح به ثم يتوقع من الناس أن يصفوه بسداد السيرة واستقامة الطريقة والزهد والإقبال على الله تعالى . فائدة قرأ ابن كثير وأبو عمرو بالياء وفتح الباء في الأول وضمها في الثاني ، وفاعل الأول { ٱلَّذِينَ يَفْرَحُونَ } . وأما مفعولاه فمحذوفان اكتفاءً بمفعولي { تَحْسَبَنَّهُمْ } لأن الفاعل فيهما واحد . فالفاعل الثاني تأكيد للأول ، وحَسُنَ لما طال الكلام المتصل بالأول . والفاء زائدة ، إذ ليست للعطف ولا للجواب ، وثمة وجوه أخرى . لطيفة تصدير الوعيد بنهيهم عن الحسبان المذكور ، للتنبيه على بطلان آرائهم الركيكة ، وقطع أطماعهم الفارغة ، حيث كانوا يزعمون أنهم ينجون بما صنعوا من عذاب الآخرة ، كما نجوا به من المؤاخذة الدنيوية ، وعليه كان مبنى فرحهم . وأما نهيه صلى الله عليه وسلم فللتعريض بحسبانهم المذكور ، لا لاحتمال وقوع الحسبان من جهته عليه الصلاة والسلام - أفاده أبو السعود .