Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 3, Ayat: 55-55)

Tafsir: Maḥāsin at-Taʾwīl

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

{ إِذْ قَالَ ٱللَّهُ يٰعِيسَىٰ إِنِّي مُتَوَفِّيكَ } أي : مستوفي مدة إقامتك بين قومك . والتوفي ، كما يطلق على الإماتة ، كذلك يطلق على استيفاء الشيء . كما في كتب اللغة . ولو ادعى أن التوفي حقيقة في الأول ، والأصل في الإطلاق الحقيقة فنقول : لا مانع من تشبيه سلب تصرفه عليه السلام بأتباعه وانتهاء مدته المقدرة بينهم بسلب الحياة . وهذا الوجه ظاهر جداً ، وله نظائر في الكتاب العزيز ، قال تعالى : { ٱللَّهُ يَتَوَفَّى ٱلأَنفُسَ حِينَ مَوْتِـهَا وَٱلَّتِي لَمْ تَمُتْ فِي مَنَامِـهَا } [ الزمر : 42 ] . قال الزمخشريّ : يريد ويتوفى الأنفس التي لم تمت في منامها ، أي : يتوفاها حين تنام تشبيهاً للنائمين بالموتى . ومنه قوله تعالى : { وَهُوَ ٱلَّذِي يَتَوَفَّٰكُم بِٱلَّيلِ } [ الأنعام : 60 ] . حيث لا يميزون ولا يتصرفون ، كما أن الموتى كذلك - انتهى كلامه - ثم بين سبحانه في بشارته بالرفعة إلى محل كرامته وموطن ملائكته ومعدن النزاهة عن الأدناس فقال : { وَرَافِعُكَ إِلَيَّ وَمُطَهِّرُكَ مِنَ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ } أي : من مكرهم وخبث صحبتهم ؛ وقد دلت هذه الآية بظاهرها على أن الله تعالى فوق سماواته كقوله تعالى : { بَل رَّفَعَهُ ٱللَّهُ إِلَيْهِ وَكَانَ ٱللَّهُ عَزِيزاً حَكِيماً } [ النساء : 158 ] . وقوله تعالى : { يَخَافُونَ رَبَّهُمْ مِّن فَوْقِهِمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ } [ النحل : 50 ] . وقوله تعالى : { يُدَبِّرُ ٱلأَمْرَ مِنَ ٱلسَّمَآءِ إِلَى ٱلأَرْضِ ثُمَّ يَعْرُجُ إِلَيْهِ } [ السجدة : 5 ] . وقوله تعالى : { ءَأَمِنتُمْ مَّن فِي ٱلسَّمَآءِ أَن يَخْسِفَ بِكُمُ ٱلأَرْضَ فَإِذَا هِيَ تَمُورُ } [ الملك : 16 ] . وهو مذهب السلف قاطبة كما نقله الإمام الذهبيّ في كتاب ( العلوّ ) . قال أبو الوليد بن رشد في مناهج الأدلة : لم يزل أهل الشريعة من أول الأمر يثبتون لله سبحانه وتعالى جهة الفوق حتى نفتها المعتزلة ، ثم تبعهم على نفيها متأخرو الأشاعرة كأبي المعالي ومن اقتدى بقوله - إلى أن قال : والشرائع كلها مبنية على أن الله في السماء ، وأن منه تتنزل الملائكة بالوحي إلى النبيين ، وأن من السماوات نزلت الكتب وإليها كان الإسراء بالنبيّ صلى الله عليه وسلم . وجميع الحكماء قد اتفقوا على أن الله والملائكة في السماء ، كما اتفقت جميع الشرائع على ذلك بالمعقول . وبيّن بطلان الشبهة التي لأجلها نفتها الجهمية ومن وافقهم - إلى أن قال : فقد ظهر لك من هذا أن إثبات الجهة واجب بالشرع والعقل . وأن إبطاله إبطال الشرائع . قال الدارميّ : وقد اتفقت الكلمة من المسلمين أن الله فوق عرشه فوق سماواته . وقد بسط نصوصَ السلف الحافظُ الذهبيّ في كتابَ العلوّ فانظره ، هذا ، ولما كان لذوي الهمم العوال ، أشد التفات إلى ما يكون عليهم خلفاؤهم من بعدهم من الأحوال ، بشره تعالى في ذلك بما بشره فقال : { وَجَاعِلُ ٱلَّذِينَ ٱتَّبَعُوكَ فَوْقَ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ إِلَىٰ يَوْمِ ٱلْقِيَامَةِ } وكذا كان لم يزل من انتحل النصرانية فوق اليهود ، ولا يزالون كذلك إلى أن يعدموا فلا يبقى منهم أحد { ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأَحْكُمُ بَيْنَكُمْ فِيمَا كُنتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ } . ثم فسر الحكم الواقع بين الفريقين بقوله : { فَأَمَّا ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ فَأُعَذِّبُهُمْ عَذَاباً شَدِيداً فِي ٱلدُّنْيَا وَٱلآخِرَةِ وَمَا لَهُمْ … } .