Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 30, Ayat: 30-32)
Tafsir: Maḥāsin at-Taʾwīl
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
{ فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ } أي : فقوّمه له ، واجعله مستقيماً متوجهاً له . وفي النظم الكريم استعارة تمثيلية ، بتشبيه المأمور بالتمسك بالدين ورعاية حقوقه وعدم مجاوزة حدوده والاهتمام بأموره ، بمن أمر بالنظر إلى أمر ، وعقد طرفه به ، وتسديد نظره وتوجيه وجهه له ، لمراعاته والاهتمام بحفظه { حَنِيفاً } أي : مائلا عن كل ما سواه ، إليه . قال المهايميّ : ولا يعسر الرجوع إليه لكونه { فِطْرَتَ ٱللَّهِ ٱلَّتِي فَطَرَ ٱلنَّاسَ عَلَيْهَا } أي : لأن عقل كل واحد يدل على أنه حادث يفتقر إلى محدث . ولا دلالة على الافتقار إلى متعدد أبداً . فالقول بتعدده تغيير للفطرة . لكن { لاَ تَبْدِيلَ لِخَلْقِ ٱللَّهِ } أي : لا تغيير لأمر العقل الذي خلقه الله للاستدلال { ذَلِكَ } أي : الدين المأمور بإقامة الوجه له ، أو الفطرة { ٱلدِّينُ ٱلْقَيِّمُ } أي : المستقيم الذي لا عوج فيه . قال المهايميّ : وإن لم يقم عند المبدلين دليل على استحالة التعدد ، فهذا هو مقتضى الفطرة { وَلَـٰكِنَّ أَكْثَرَ ٱلنَّاسِ لاَ يَعْلَمُونَ } أي : أنه مقتضى الفطرة . وهي أقطع قاطع وأحسم حاسم لشغب المشاغب . لأنها من الأمور التي لا تدخل تحت الكسب والاختيار . وقوله تعالى : { مُنِيبِينَ إِلَيْهِ } أي : راجعين إليه بالتوبة والإنابة { وَمَن يَغْفِرُ ٱلذُّنُوبَ إِلاَّ ٱللَّهُ } [ آل عمران : 135 ] وهو حال من فاعل ( الزموا ) المقدَّر ناصباً لـ { فِطْرَتَ } أو من فاعل { أَقِمْ } على المعنى . إذ لم يرد به واحد بعينه , أو لأن الخطاب له صلى الله عليه وسلم ولأمته . أو على أنه على حذف المعطوف عليه . أي : أقم أنت وأمتك . والحال من الجميع { وَٱتَّقُوهُ وَأَقِيمُواْ ٱلصَّلاَةَ وَلاَ تَكُونُواْ مِنَ ٱلْمُشْرِكِينَ * مِنَ ٱلَّذِينَ فَرَّقُواْ دِينَهُمْ } أي : جعلوه أدياناً مختلفة لاختلاف أهوائهم { وَكَانُواْ شِيَعاً } أي : فرقاً { كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ } أي : كل حزب منهم فرح بمذهبه ، مسرور ، يحسب باطله حقا . قال القاشانيّ : يعني المفارقين الدين الحقيقيّ ، المتفرقين شيعاً مختلفة ، كل حزب عند تكدّر الفطرة ، وتكاثف الحجاب ، يفرح بما يقتضيه استعداده من الحجاب ، لكونه مقتضى طبيعة حجابه ، فيناسب حاله من الاستعداد العارضي ، وإن لم يلائم الحقيقة بحسب الاستعداد . ولهذا يجب به التعذيب عند زوال العارض . اهـ . ثم احتج عليهم برجوعهم إليه عند الشدائد ، مما يحمل أن يرجع إليه بعبادته دائما ، بقوله سبحانه : { وَإِذَا مَسَّ ٱلنَّاسَ ضُرٌّ … } .