Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 33, Ayat: 59-59)

Tafsir: Maḥāsin at-Taʾwīl

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

{ يَيٰأَيُّهَا ٱلنَّبِيُّ قُل لأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَآءِ ٱلْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِن جَلاَبِيبِهِنَّ } جمع ( جلباب ) كسرداب ، وهو الرداء فوق الخمار ، تتغطى به المرأة . وهو معنى قول بعضهم : جلبابها ملاءتها تشتمل بها . وقيل هو الخمار . قالت جنوب أخت عمرو ذي الكَلْبِ ترثيه : @ تمشي النسورُ إليه وهي لاهِيَةٌ مَشْيَ الْعَذَارَى ، عليهن الْجَلالِيبُ @@ وقال آخر يصف الشيب : @ حَتَّى اكْتَسَى الراسُ قِناعاً أَشْهَبَا أَكْرَهَ جلبابٍ لمن تَجَلْبَبَا @@ وقال الزمخشري : الجلباب ثوب واسع ، أوسع من الخمار ، ودون الرداء ، تلويه المرأة على رأسها ويبقى منه ما ترسله على صدرها . وعن ابن عباس رضي الله عنهما : الرداء الذي يستر من فوق إلى أسفل . ثم قال : ومعنى { يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِن جَلاَبِيبِهِنَّ } يرخينها عليهن ويغطين بها وجوههن وأعطافهن . يقال إذا زلّ عن وجه المرأة : أدني ثوبك على وجهك . وذلك أن النساء كن في أول الإسلام على هجّيراهن في الجاهلية متبذلات ، تبرز المرأة في درع وخمار ، لا فصل بين الحرة والأمة . وكان الفتيان وأهل الشطارة يتعرضون للإماء إذا خرجن بالليل ، إلى مقاضي حوائجهن في النخيل والغيظان . وربما تعرضوا للحرة بعلة الأمَة ، يقولون حسبناها أمة ، فأمرن أن يخالفن بزيهن عن زي الإماء ، بلبس الأردية والملاحف وستر الرؤوس والوجوه ليحتشمن ويُهبن ، فلا يطمع فيهن طامع ، وذلك قوله : { ذٰلِكَ أَدْنَىٰ أَن يُعْرَفْنَ فَلاَ يُؤْذَيْنَ } أي : أولى وأجدر بأن يعرفن أنهن حرائر ، فلا يتعرض لهن ولا يلقين ما يكرهن . ثم قال الزمخشري : فإن قلت : ما معنى { مِن } في { مِن جَلاَبِيبِهِنَّ } قلت : هو للتبعيض . إلا أن معنى التبعيض محتمل وجهين : أحدهما - أن يتجلببن ببعض ما لهن من الجلابيب ، والمراد أن لا تكون الحرة متبذلة في درع وخمار كالأمة والماهنة ، ولها جلبابان فصاعدا في بيتها . والثاني - أن ترخي المرأة بعض جلبابها وفضله على وجهها ، لتتقنع حتى تتميز من الأمة . انتهى . ومن الآثار في الآية ، ما رواه الطبريّ عن ابن عباس قال : أمر الله نساء المؤمنين إذا خرجن من بيوتهن في حاجة ، أن يغطين وجوههن من فوق رؤوسهن بالجلابيب ، ويبدين عينا واحدة . وأخرج ابن أبي حاتم عن أم سلمة قالت : لما نزلت هذه الآية : { يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِن جَلاَبِيبِهِنَّ } خرج نساء الأنصار كأن على رؤوسهن الغربان ، من السكينة . وعليهن أكيسة سود يلبسنها . وأخرج عن يونس بن يزيد أنه سأل الزهريّ : هل على الوليدة خمار ، متزوجة أو غير متزوجة ؟ قال : عليها الخمار إن كانت متزوجة ، وتنهى عن الجلباب . لأنه يكره لهن أن يتشبهن بالحرائر المحصنات . تنبيهات الأول : قال ابن كثير : روي عن سفيان الثوريّ أنه قال : لا بأس بالنظر إلى زينة نساء أهل الذمة . وإنما نهي عن ذلك لخوف الفتنة ، لا لحرمتهنّ ، واستدل بقوله تعالى : { وَنِسَآءِ ٱلْمُؤْمِنِينَ } انتهى . الثاني : قال السبكيّ في ( طبقاته ) : استنبط أحمد بن عيسى ، من فقهاء الشافعية ، من هذه الآية أن ما يفعله العلماء والسادات ، من تغيير لباسهم وعمائمهم ، أمر حسن . وإن لم يفعله السلف . لأن فيه تمييزاً لهم حتى يُعرفوا ، فيعمل بأقوالهم . انتهى . الثالث : قال الشهاب : قوله تعالى : { يُدْنِينَ } يحتمل أن يكون مقول القول . وهو خبر بمعنى الأمر ، أو جواب الأمر ، على حدّ { قُل لِّعِبَادِيَ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ يُقِيمُواْ ٱلصَّلاَةَ } [ إبراهيم : 31 ] انتهى { وَكَانَ ٱللَّهُ غَفُوراً } أي : لما سلف منهنّ من التفريط { رَّحِيماً } أي : بعباده ، حيث يراعي مصالحهم حتى الجزئيات منها .