Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 36, Ayat: 8-9)

Tafsir: Maḥāsin at-Taʾwīl

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

{ إِنَّا جَعَلْنَا فِيۤ أَعْناقِهِمْ أَغْلاَلاً فَهِىَ إِلَى ٱلأَذْقَانِ } أي : اللحى . أي واصلة إليها وملزوزة إليها { فَهُم مُّقْمَحُونَ } أي : ناصبو رؤوسهم ، غاضّو أبصارهم . يقال : أقمح الرجل ، رفع رأسه وغض بصره . وأقمح الغلّ الأسير ، إذا ترك رأسه مرفوعاً لضيقه ، فهو مقمح ، وذلك إذا لم يتركه عمود الغلّ الذي ينخس ذقنه ، أن يطأطئ رأسه . قال ابن الأثير : " هي " في قوله تعالى : { فَهِىَ إِلَى ٱلأَذْقَانِ } كناية عن الأيدي لا عن الأعناق ؛ لأن الغلّ يجعل اليد تلي الذقن والعنق ، وهو مقارب للذقن . وقال الأزهريّ : أراد عز وجل أن أيديهم لما غلَّت عند أعناقهم ، رفعت الأغلال أذقانهم ورؤوسهم صُعُداً ، كالإبل الرافعة رؤوسها ، وهذا معنى قول ابن كثير : اكتفى بذكر الغل في العنق ، عن ذكر اليدين ، وإن كانتا مرادتين ، لما دل السياق عليه . فإن الغل إنما يعرف فيما جمع اليدين مع العنق . { وَجَعَلْنَا مِن بَيْنِ أَيْدِيهِمْ سَدّاً ومِنْ خَلْفِهِمْ سَدّاً فَأغْشَيْنَاهُمْ فَهُمْ لاَ يُبْصِرُونَ } قال الزمخشريّ : مثل تصميمهم على الكفر ، وأنه لا سبيل إلى ارعوائهم ، بأن جعلهم كالمغلولين المقمحين ، في أنهم لا يلتفتون إلى الحق ، ولا يعطفون أعناقهم نحوه ، ولا يطأطئون رؤوسهم له ، وكالحاصلين بين سدّين ، لا يبصرون ما قدامهم ولا ما خلفهم ، في ألا تأمل لهم ولا تبصر ، وأنهم متعامون عن النظر في آيات الله . انتهى . أي : فالمجموع استعارة تمثيلية . وفي ( الانتصاف ) للناصر : إذا فرقت هذا التشبيه ، كان تصميمهم على الكفر مشبهها بالأغلال ، وكان استكبارهم عن قبول الحق ، وعن الخضوع ، والتواضع لاستماعه ، مشبهاً بالإقماح ؛ لأن المقمح لا يطأطئ رأسه . وقوله : { فَهِىَ إِلَى ٱلأَذْقَانِ } تتمة للزوم الإقماح لهم ، وكان عدم الفكر في القرون الخالية مشبها بسدّ من خلفهم ، وعدم النظر في العواقب المستقبلة مشبهاً بسد من قدامهم . انتهى . فيكون فيه تشبيه متعدد . قال الشهاب : والتمثيل أحسن منه . انتهى . ثم قال الناصر : يحتمل أن تكون الفاء في : { فَهُم مُّقْمَحُونَ } للتعقيب ، كالفاء الأولى ، أو للتسبب ، ولا شك أن ضغط اليد مع العنق في الغلّ يوجب الإقماح ؛ فإن اليد ، والعياذ بالله ، تبقى ممسكة بالغل تحت الذقن ، دافعة بها ومانعة من وطأتها . ويكون التشبيه أتم على هذا التفسير ، فإن اليد متى كانت مرسلة مخلاة ، كان للمغلول بعض الفرج بإطلاقها , ولعله يتحيل بها على فكاك الغلّ ، ولا كذلك إذا كانت مغلولة . فيضاف إلى ما ذكرناه من التشبيهات المفرقة ، أن يكون انسداد باب الحيل عليهم في الهداية والانخلاع من ربقة الكفر المقدر عليهم ، مشبهاً بغلّ الأيدي ؛ فإن اليد آلة الحيلة إلى الخلاص . انتهى . وإنما اختير هذا ؛ لأن ما قبله وما بعده في ذكر أحوالهم في الدنيا ، وجعله أبو حيان لبيان أحوالهم في الآخرة ، على أنه حقيقة لا تمثيل فيه ، فورد عليه أن يكون أجنبياً في البين ، وتوجيهه بأنه كالبيان لقوله : { حَقَّ ٱلْقَوْلُ عَلَىٰ أَكْثَرِهِمْ } [ يس : 7 ] ، والأول أدق ، وبالقبول أحق .