Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 37, Ayat: 1-4)

Tafsir: Maḥāsin at-Taʾwīl

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

افتتح تعالى هذه السورة بالقسم ببعض مخلوقاته ، إظهاراً لعظم شأنها وكبر فوائدها ، وتنبيهاً إلى الاعتبار بصفتها وما تستدعيه من سِمتها . { وَٱلصَّافَّاتِ } جمع صافة ، أي : طائفة صافة ، أو جماعة صافة . فيكون في المعنى جمع الجمع ، أو على تأنيث مفرده باعتبار أنه ذات ونفس ، والمراد بالصافات الملائكة . لقيامها مصطفة في مقام العبودية لمالك الملك . من قوله تعالى : { وَإِنَّا لَنَحْنُ ٱلصَّآفُّونَ } [ الصافات : 165 ] أو لصفها أجنحتها في الهواء واقفة منتظرة لأمر الله تعلى . و { فَٱلزَّاجِرَاتِ } أي : الناس عن المعاصي ، بإلهام الخير ، من ( الزجر ) بمعنى المنع والنهي ، أو الزاجرات الأجرام العلوية والسفلية بالتدبير المأمور به . من ( الزجر ) بمعنى السوق والحث . و ( التاليات ) أي : آياته تعالى على أنبيائه عليهم السلام ، وقيل : الصافات الطير . من قوله تعالى : { وَٱلطَّيْرُ صَآفَّاتٍ } [ النور : 41 ] و ( الزاجرات ) ، كل ما زجر عن معاصي الله . و ( التاليات ) كل من تلا كتاب الله . أو هم العلماء الصافون في العبادات أقدامهم ، الزاجرون عن الكفر ، والفسوق بالحجج والنصائح ، التالون آيات الله وشرائعه . أو هم الغزاة الصافون في الجهاد , والزاجرون الخيل أو العدوّ ، التالون لذكر الله ، لا يشغلهم فيها عنها مبارزة العدوّ . وقد ذكر غير هذا ، مما يشمله اللفظ ولا يأباه . وبالجملة ، فالعطف إما لاختلاف الذوات أو الصفات . وإِيثارُ الفاء على ( الواو ) لقصد الترتيب والتفاضل طرداً أو عكساً ، أما الأول فاعتناءً بالأهم فالأهم . وأما الثاني فالترقي إلى الأعلى . و { صَفَّا } ، و { زَجْراً } ، مصدر مؤكد ، وكذا { ذِكْراً } ، ويجوز فيه كونه مفعولاً به . قال الناصر : وفي هذه الآية دلالة على مذهب سيبويه والخليل في مثل : { وَٱلْلَّيْلِ إِذَا يَغْشَىٰ * وَٱلنَّهَارِ إِذَا تَجَلَّىٰ } [ الليل : 1 - 2 ] ، فإنهما يقولان : الواو الثانية وما بعدها عواطف . وغيرهما يذهب إلى أنها حروف قسم . فوقوع الفاء في هذه الآية موقع الواو . والمعنى واحد ، إلا أن ما تزيده الفاء من ترتيبها ، دليل واضح على أن الواو الواقعة في مثل هذا السياق ، للعطف لا للقسم . انتهى . وقوله تعالى : { إِنَّ إِلَـٰهَكُمْ لَوَاحِدٌ } جواب للقسم ، وفي تأكيد المقسم عليه بتقديم الإقسام وتوكيد الجملة ، اهتمام به بتحقيق الحق فيه الذي هو التوحيد ، وتمهيد لما يعقبه من البرهان الناطق به ، وهو قوله تعالى : { رَّبُّ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ … } .