Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 38, Ayat: 33-33)
Tafsir: Maḥāsin at-Taʾwīl
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
{ رُدُّوهَا عَلَيَّ } يعني الصافنات ، وهذا من مقول القول ، فلا حاجة إلى تقدير قول آخر { فَطَفِقَ مَسْحاً بِٱلسُّوقِ وَٱلأَعْنَاقِ } أي : فجعل يمسح مسحاً ، أي : يمسح بالسيف بسوقها وأعناقها ، يعني يقطعها . تنبيه قال ابن كثير : ذكر غير واحد من السلف والمفسرين أن سليمان عليه السلام اشتغل بعرض الخيل حتى فات وقت صلاة العصر ، والذي يقطع به أنه لم يتركها عمداً بل نسياناً ، كما شغل النبيّ صلى الله عليه وسلم يوم الخندق عن صلاة العصر ، حتى صلاها بعد الغروب ، وذلك ثابت في الصحيحين من غير وجه ، ويحتمل أنه كان سائغاً في ملتهم تأخير الصلاة لعذر الغزو ، والقتال . والخيلُ تراد للقتال ، وقد ادعى طائفة من العلماء أن هذا كان مشروعا فنسخ ذلك بصلاة الخوف ، ومنهم من ذهب إلى ذلك في حال المسايفة والمضايقة حتى لا يمكن صلاة ، ولا ركوع ولا سجود ، كما فعل الصحابة رضي الله عنهم في فتح ( تستر ) وهو منقول عن مكحول ، والأوزاعيّ وغيرهما ، والأول أقرب ؛ لأنه قال بعد : { رُدُّوهَا عَلَيَّ فَطَفِقَ مَسْحاً بِٱلسُّوقِ وَٱلأَعْنَاقِ } قال الحسن البصري : قال : لا ، والله ! لا تشغليني عن عبادة ربي آخر ما عليك ، ثم أمر بها فعقرت . وكذلك قال قتادة . وقال عليّ بن أبي طلحة عن ابن عباس رضي الله عنهما : جعل يمسح أعراف الخيل وعراقيبها حبّاً لها ، وهذا القول اختاره ابن جرير . قال : لأنه لم يكن ليعذب حيواناً بالعرقبة ، ويهلك مالاً من ماله بلا سبب ، سوى أنه اشتغل عن صلاته بالنظر إليها ولا ذنب لها ، وهذا الذي رجح ابن جرير ، فيه نظر ؛ لأنه قد يكون في شرعهم جواز مثل هذا ، ولا سيما إذا كان غضباً لله تعالى ، بسبب أنه اشتغل بها حتى خرج وقت الصلاة ؛ ولهذا لما خرج عنها لله تعالى ، عوضه الله عز وجل ما هو خير منها ، وهو الريح التي تجري بأمره رخاء حيث أصاب ، غدوّها شهر ، ورواحها شهر ، فهذا أسرع وخير من الخيل . روى الإمام أحمد عن ابن قتادة وأبي الدهماء ، وكانا يكثران السفر نحو البيت ، قالا : " أتينا على رجل من أهل البادية فقال لنا البدويّ ، أخذ بيدي رسول الله صلى الله عليه وسلم فجعل يعلمني مما علمه الله عز وجل ، وقال : " إنك لا تدع شيئاً اتقاء الله تعالى ، إلا أعطاك الله عز وجل خيراً منه " " انتهى ما ذكره ابن كثير . وقال القاشانيّ : أي : طفق يمسح السيف بسوقها ، يعرقب بعضها وينحر بعضها ، كسراً لأصنام النفس التي تعبدها بهواها ، وقمعا لسورتها وقواها ، ورفعا للحجاب الحائل بينه وبين الحق ، واستغفاراً وإنابة إليه بالتجريد والترك . وقد ذهب الرازيّ إلى تأويل آخر استصوبه ، قال : إن رباط الخيل كان مندوبا إليه في دينهم . كما أنه كذلك في دين الإسلام ، ثم إن سليمان عليه السلام احتاج إلى الغزو ، فجلس وأمر بإحضار الخيل وأمر بإجرائها ، وذكر أني لا أحبها لأجل الدنيا ونصيب النفس ، وإنما أحبها لأمر الله ، وطلب تقوية دينه . وهو المراد من قوله : { عَن ذِكْرِ رَبِّي } ثم إنه عليه السلام أمر بإعدائها وتسييرها حتى توارت بالحجاب أي : غابت عن بصره . ثم أمر الرائضين بأن يردوا تلك الخيل إليه فلما عادت إليه طفق يمسح سوقها وأعناقها ، والغرض من ذلك المسح أمور : الأول : تشريفاً لها وإبانة لعزتها ، لكونها من أعظم الأعوان في دفع العدوّ . والثاني : أنه أراد أن يظهر أنه في ضبط السياسة والملك يتصنع إلى حيث يباشر أكثر الأمور بنفسه . الثالث : أنه كان أعلم بأحوال الخيل وأمراضها وعيوبها . فكان يمتحنها ويمسح سوقها وأعناقها ، حتى يعلم هل فيها ما يدل على المرض . وقال : فهذا التفسير الذي ذكرناه ينطبق عليه لفظ القرآن انطباقاً مطابقاً موافقاً . ولا يلزمنا نسبة شيء من تلك المنكرات والمحذورات . قال : وأنا شديد التعجب من الناس كيف قبلوا هذه الوجوه السخيفة ، مع أن العقل والنقل يردها ، وليس لهم في إثباتها شبهة فضلاً عن حجة فإن قيل : إن الجمهور فسّروا الآية بذلك الوجه ، فما قولك فيه ؟ فنقول : لنا ههنا مقامان : المقام الأول - أن ندعي أن لفظ الآية لا يدل على شيء من تلك الوجوه التي يذكرونها . وقد ظهر ، والحمد لله ، أن الأمر كما ذكرناه ، وظهوره لا يرتاب العاقل فيه . المقام الثاني : أن يقال هب أن لفظ الآية لا يدل عليه ، إلا أنه ذكره الناس . فما قولك فيه ؟ وجوابنا أن الأدلة الكثيرة قامت على عصمة الأنبياء عليهم السلام ، ولم يدل دليل على صحة هذه الحكايات ، ورواية الآحاد لا تصلح معارضة للدلائل القوية ، فكيف الحكايات عن أقوام لا يبالي بهم ولا يلتفت إلى أقوالهم ؟ والله أعلم . انتهى كلام الرازيّ . وسبقه ابن حزم حيث قال : تأويل الآية على أنه قتل الخيل إذ اشتغل بها عن الصلاة ، خرافة موضوعة مكذوبة سخيفة باردة ، قد جمعت أفانين من القول ؛ لأن فيها معاقبة خيل لا ذنب لها ، والتمثيل بها ، وإتلاف مال منتفع به بلا معنى ، ونسبة تضييع الصلاة إلى نبيّ مرسل ، ثم يعاقب الخيل على ذنبه لا على ذنبها ، وإنما معنى الآية أنه أخبر أنه أحب حب الخير . من أجل ذكر ربه حتى توارت الشمس أو تلك الصافنات بحجابها ، ثم أمر بردها . فطفق مسحا بسوقها وأعناقها بيده ، بِرّاً بها وإكراما لها ، هذا هو ظاهر الآية الذي لا يحتمل غيره ، وليس فيها إشارة أصلا إلى ما ذكروه من قتل الخيل وتعطيل الصلاة ، وكل هذا قد قاله ثقات المسلمين . فكيف ولا حجة في قول أحد دون رسول الله صلّى الله عليه وسلم ؟ انتهى كلام ابن حزم . وأقول : الذي يتجه أن هذه القصة أشير بها إلى نبأ لديهم ؛ لأن التنزيل الكريم مصدق الذي بين يديه ، إلا أن له الهيمنة عليه ، فما وقف فيه على حدّ من أنباء ما بين يديه ، يوقف عنده ولا يتجاوز ، وحينئذ ، فالقصة المعروفة عندهم هي التي أشير إليها . لكن مع الهيمنة عليها ؛ إذ لا تقبل على علاتها .