Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 38, Ayat: 70-70)
Tafsir: Maḥāsin at-Taʾwīl
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
{ إِن يُوحَىٰ إِلَيَّ إِلاَّ أَنَّمَآ أَنَاْ نَذِيرٌ مُّبِينٌ } وقرئ : { إِنَّما } بالكسر على الحكاية . تنبيهات الأول : قال الرازيّ : واعلم أن قوله : { أَنتُمْ عَنْهُ مُعْرِضُونَ } ترغيب في النظر والاستدلال ، ومنع من التقليد ؛ لأن هذه المطالب مطالب شريفة عالية ، فإن بتقدير أن يكون الإنسان فيها على الحق ، يفوز بأعظم أبواب السعادة ، وبتقدير أن يكون الإنسان فيها على الباطل ، وقع في أعظم أبواب الشقاوة . فكانت هذه المباحث أنباء عظيمة ومطالب عالية بهية ، وصريح العقل يوجب على الإنسان أن يأتي فيها بالاحتياط التام ، وأن لا يكتفي بالمساهلة والمسامحة . الثاني : قدمنا أن أكثر المفسرين على تأويل الاختصام بالتقاول في شأن آدم عليه السلام مع الملائكة . وقيل : مخاصمتهم مناظرتهم بينهم في استنباط العلم ، كما تجري المناظرة بين أهل العلم في الأرض . حكاه الكرمانيّ في ( عجائبه ) . وذهب ابن كثير إلى أنه عنى به ما كان في شأن آدم عليه السلام ، وامتناع إبليس من السجود له ، ومحاجته ربه في تفضيله عليه . وإن قوله تعالى بعد : { وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ } [ البقرة : 30 ] تفسير له . ولم أره مأثوراً عن أحد . بل المأثور عن ابن عباس وغيره ما تقدم ، من أنه في شأن آدم والملائكة ، وهذا كله على إثبات علم التخاصم بالوحي ، بتقدير ( ما كان لي من علم لولا الوحي ) ولا تنس القول الآخر ، والنظم الكريم يصدق على الكل بلا تناف . والله أعلم . وقد جاء ذكر تخاصم الملأ الأعلى في حديث الإمام أحمد عن معاذ رضي الله عنه قال : " احتبس علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات غداة عن صلاة الصبح ، حتى كدنا أن نتراءى قرن الشمس . فخرج صلى الله عليه وسلم سريعا فثوّب بالصلاة ، فصلى وتجوز في صلاته . فلما سلّم قال صلى الله عليه وسلم : " كما أنتم " . ثم أقبل إلينا فقال : " إني قمت من الليل فصليت ما قدّر لي ، فنعست في صلاتي حتى استيقظت ، فإذا أنا بربي عز وجل في أحسن صورة . فقال : يا محمد ، أتدري فيم يختصم الملأ الأعلى ؟ قلت : لا أدري يا رب ! أعادها ثلاثاً ، فرأيته وضع كفه بين كتفي حتى وجدت برد أنامله بين صدري . فتجلى لي كل شيء وعرفت . فقال : يا محمد ، فيم يختصم الملأ الأعلى ؟ قلت : في الكفارات . قال : وما الكفارات ؟ قلت : نقل الأقدام إلى الجماعات ، والجلوس في المساجد بعد الصلوات ، وإسباغ الوضوء عند الكريهات . قال : وما الدرجات ؟ قلت : إطعام الطعام ، ولين الكلام ، والصلاة والناس نيام . قال : سل . قلت : اللهم ! إني أسألك فعل الخيرات , وترك المنكرات , وحب المساكين , وأن تغفر لي وترحمني , وإذا أردت فتنةً بقوم ، فتوفني غير مفتون , وأسألك حبك , وحب من يحبك , وحب عمل يقربني إلى حبك " . وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إنها حق فادرسوها وتعلموها " " . قال ابن كثير : هذا حديث المنام المشهور . ومن جعله يقظة فقد غلط ، وهو في السنن من طرق ، وهذا الحديث بعينه قد رواه الترمذي من حديث جهضم بن عبد الله اليماميّ به ، وقال : حسن صحيح . ثم قال ابن كثير : وليس هذا الاختصام المذكور في القرآن ، فإن هذا قد فسّر ، وأما الاختصام الذي في القرآن فقد فسر بعد هذا . انتهى . يعني قوله تعالى : { إِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلاَئِكَةِ إِنِّي خَالِقٌ بَشَراً … } .