Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 39, Ayat: 8-9)

Tafsir: Maḥāsin at-Taʾwīl

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

{ وَإِذَا مَسَّ } أي : أصاب { ٱلإِنسَانَ ضُرٌّ } أي : شدة وبلاء { دَعَا رَبَّهُ مُنِيباً إِلَيْهِ } أي ابتهل إليه برفع الشدة والبلاء عنه ، مقبلا إليه بالدعاء والتضرع { ثُمَّ إِذَا خَوَّلَهُ } أي : أعطاه { نِعْمَةً مِّنْهُ نَسِيَ مَا كَانَ يَدْعُوۤ إِلَيْهِ مِن قَبْلُ } أي : نسي الضر الذي كان يدعو الله إلى كشفه من قبل النعمة . وقيل : نسي ربه الذي كان يتضرع إليه ويبتهل إليه . فـ ( ما ) بمعنى ( من ) أقيمت مقامها لقصد الدعاء الوصفيّ ، ولما في ( ما ) من الإبهام والتفخيم ، { وَجَعَلَ لِلَّهِ أَندَاداً لِّيُضِلَّ عَن سَبِيلِهِ } أي : يصد الناس عن دينه وطاعته { قُلْ تَمَتَّعْ بِكُفْرِكَ } أي : عش به { قَلِيلاً } أي : يسيراً في الدنيا { إِنَّكَ مِنْ أَصْحَابِ ٱلنَّارِ * أَمَّنْ هُوَ قَانِتٌ آنَآءَ ٱلَّيلِ سَاجِداً وَقَآئِماً } أي : متعبداً في ساعاته يقطعها في السجود والقيام { يَحْذَرُ ٱلآخِرَةَ } أي : عقابها { وَيَرْجُواْ رَحْمَةَ رَبِّهِ } أي : جنته ورضوانه ، أي : أهذا أفضل أم ذاك الكافر الجاحد الناسي لربه ؟ { قُلْ هَلْ يَسْتَوِي ٱلَّذِينَ يَعْلَمُونَ } أي : توحيده وأمره ونهيه في الثواب والطاعة { وَٱلَّذِينَ لاَ يَعْلَمُونَ } أي : لا يستويان . تنبيهات الأول : في الآية استحباب قيام الليل . قال ابن عباس : آناء الليل : جوف الليل . وقال الحسن : ساعاته أوله ووسطه وآخره . الثاني : في قوله تعالى : { يَحْذَرُ ٱلآخِرَةَ وَيَرْجُواْ رَحْمَةَ رَبِّهِ } ردّ على من ذمّ العبادة خوفا من النار أو رجاء الجنة . وقال صلى الله عليه وسلم : " حولها ندندن " . الثالث : في قوله تعالى : { هَلْ يَسْتَوِي } الآية مدح العلم ورفعة قدره ، وذمّ الجهل ونقصه . وقد يستدل به على أن الجاهل لا يكافئ العالمة ، كما أنه لا يكافئ بنت العالم ، أفاده في ( الإكليل ) . وفي الآية أيضاً إشعار بأن الذين يعلمون هم العاملون بعلمهم ، إذ عبر عنهم أولا بـ ( القانت ) ثم نفى المساواة بينه وبين غيره ، ليكون تأكيداً له ، وتصريحاً بأن غير العامل كأن ليس بعالم . قال القاشانيّ : وإنما كان المطيع هو العالم ؛ لأن العلم هو الذي رسخ في القلب وتأصل بعروقه في النفس ، بحيث لا يمكن صاحبه مخالفته ، بل سيط باللحم والدم ، فظهر أثره في الأعضاء لا ينفك شيء منها عن مقتضاه ، وأما المرتسم في حيز التخيل ، بحيث يمكن ذهول النفس عنه وعن مقتضاه ، فليس بعلم . إنما هو أمر تصوريّ وتخيل عارض لا يلبث ، بل يزول سريعا ، لا يغذو القلب ، ولا يسمن ولا يغني من جوع { إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ } أي : يتعظ بهذا الذكر { أُوْلُواْ ٱلأَلْبَابِ } أي : العقول الصافية عن قشر التخيّل والوهم ، لتحققها بالعلم الراسخ الذي يتأثر به الظاهر ، وأما المشوبة بالوهم فلا تتذكر ولا تتحقق بهذا العلم ولا تعيه .