Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 4, Ayat: 117-117)

Tafsir: Maḥāsin at-Taʾwīl

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

{ إِن يَدْعُونَ مِن دُونِهِ } ما يعبد مشركو مكة ونحوهم من دون الله { إِلاَّ إِنَٰثاً } قال الرازيّ : { يَدْعُونَ } بمعنى ( يعبدون ) لأن من عبد شيئاً فإنه يدعوه عند احتياجه إليه . انتهى . وقد روى الإمام أحمد وابن أبي شيبة وأصحاب السنن وغيرهم ، عن النعمان بن بشير ؛ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " الدعاء هو العبادة " ، ورواه أبو يعلى عن البراء ، ورواه الترمذيّ عن أنس بلفظ : " الدعاء مخ العبادة " . وفي قوله تعالى : { إِلاَّ إِنَٰثاً } وجوه : الأولى : ما رواه ابن أبي حاتم عن عائشة قالت : يعني أوثاناً ، وعليه فمرجع التسمية بالإناث كون أسماء غالبها مؤنثة ، كمناة والعزى واللات ونحوها ، ولأنهم كانوا يلبسونها أنواع الحليّ ويزيّنونها على هيآت النسوان ، وروي عن أبي سلمة بن عبد الرحمن وعروة بن الزبير ومجاهد وأبي مالك والسدّيّ ومقاتل نحو ما لعائشة . الوجه الثاني : أنه عنى الملائكة ، لأن بعضهم كان يعبد الملائكة ويقولون عنها : بنات الله . روى ابن جرير عن الضحاك في الآية : قال المشركون ، للملائكة : بنات الله ، وإنما نعبدهم ليقربونا إلى الله زلفى ، قال : فاتخذوهن أرباباً وصوروهن جواري فحكَوْا وقلّدوا وقالوا : هؤلاء يشبهن بنات الله الذي نعبده ، يعنون : الملائكة . قال ابن كثير : وهذا التفسير شبيه بقول الله تعالى : { أَفَرَأَيْتُمُ ٱللاَّتَ وَٱلْعُزَّىٰ } [ النجم : 19 ] الآيات وقال تعالى : { وَجَعَلُواْ ٱلْمَلاَئِكَةَ ٱلَّذِينَ هُمْ عِبَادُ ٱلرَّحْمَـٰنِ إِنَاثاً … } [ الزخرف : 19 ] الآية ، وقال : { وَجَعَلُواْ بَيْنَهُ وَبَيْنَ ٱلْجِنَّةِ نَسَباً } [ الصافات : 158 ] انتهى . وقال تعالى : { إِنَّ ٱلَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِٱلآخِرَةِ لَيُسَمُّونَ ٱلْمَلاَئِكَةَ تَسْمِيَةَ ٱلأُنْثَىٰ } [ النجم : 27 ] . الوجه الثالث : ما رواه ابن أبي حاتم عن أُبيّ بن كعب في الآية قال : مع كل صنم جنية . الرابع : قال عليّ بن أبي طلحة والضحاك عن ابن عباس والحسن : إناثاً يعني : موتى ، قال الحسن : الإناث كل شيء ميت ليس فيه روح ، إما خشبة يابسة وإما حجر يابس . رواه ابن أبي حاتم وابن جرير ، وفي ( القاموس ، وشرحه ) : الإناث جمع الأنثى ، وهو خلاف الذكر من كل شيء ، والموات الذي هو خلاف الحيوان ، كالشجر والحجر والخشب ، عن اللحيانيّ ، وعن الفراء : تقول العرب : اللات والعزى وأشباههما من الآلهة المؤنثة . انتهى . وقال الإمام أبو البقاء : قوله تعالى : { إِلاَّ إِنَٰثاً } هو جمع أنثى على ( فعال ) ويراد به كل ما لا روح فيه من صخرة ومس ونحوهما ، ويقرأ ( أنثى ) على الإفراد ، ودل الواحد على الجمع ، ويقرأ ( أُنُثَاً ) مثل رسل فيجوز أن تكون صفة مفردة مثل امرأة جنب ، ويجوز أن يكون جمع أنيث كقليب وقُلُب ، وقد قالوا : حديث أنيث ، من هذا المعنى ، ويقرأ أُنُثاً والواحد وثن وهو الصنم وأصله وثن ، في الجمع كما في الواحد إلا أن الواو قلبت همزة لما انضمت ضماً لازماً وهو مثل أسَد وأسُد ، ويقرأ بالواو على الأصل جمعاً ، ويقرأ بسكون الثاء مع الهمزة والواو . انتهى . قال البيضاوي : ولعله تعالى ذكرها بهذا الاسم تنبيهاً على أنهم يعبدون ما يسمونه إناثاً ، لأنه ينفعل ولا يفعل ، ومن حق المعبود أن يكون فاعلاً غير منفعل ، ليكون دليلاً على تناهي جهلهم وفرط حماقتهم { وَإِن يَدْعُونَ } أي : ما يعبدون من دون الله { إِلاَّ شَيْطَٰناً مَّرِيداً } وهو إبليس لعنه الله لطاعتهم له في عبادتها ، وإذا أطاعوه فيما سوَّل لهم فقد عبدوه ، كما قال تعالى : { أَلَمْ أَعْهَدْ إِلَيْكُمْ يٰبَنِيۤ ءَادَمَ أَن لاَّ تَعْبُدُواْ ٱلشَّيطَانَ } [ يس : 60 ] وقال تعالى : { بَلْ كَانُواْ يَعْبُدُونَ ٱلْجِنَّ أَكْـثَرُهُم بِهِم مُّؤْمِنُونَ } [ سبأ : 41 ] والمَريد المتمرد العاتي الطاغي .