Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 4, Ayat: 119-119)

Tafsir: Maḥāsin at-Taʾwīl

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

{ وَلأُضِلَّنَّهُمْ } أي : عن الهدى { وَلأُمَنِّيَنَّهُمْ } أي : الأماني الباطلة من طول الأعمار وبلوغ الآمال ، قال الرازيّ : إن الشيطان لما ادعى أنه يضل الخلق قال : { وَلأُمَنِّيَنَّهُمْ } وهذا يشعر بأنه لا حيلة له في الإضلال أقوى من إلقاء الأماني في قلوب الخلق ، وطلب ما يورث شيئين : الحرص والأمل ، والحرص والأمل يستلزم أكثر الأخلاق الذميمة ، وهما كالأمرين اللازمين لجوهر الإنسان ، قال صلى الله عليه وسلم : " يهرم ابن آدم ويشب معه اثنتان : الحرص والأمل " والحرص يستلزم ركوب أهوال الدنيا وأهوال الدين ، فإنه إذا اشتد حرصه على الشيء فقد لا يقدر على تحصيله إلا بمعصية الله وإيذاء الخلق ، وإذا طال أمله نسي الآخرة وصار غريقاً في الدنيا ، فلا يكاد يقدم على التوبة ولا يكاد يؤثر فيه الوعظ فيصير قلبه كالحجارة أو أشد قسوة { وَلأَمُرَنَّهُمْ } أي : على خلاف أمرك إضلالاً لهم { فَلَيُبَتِّكُنَّ ءَاذَانَ ٱلأَنْعَٰمِ } أي : فليقطعنها ويشقنها سِمَةً وعلامة للبحائر والسوائب ليحرموها ، بعد ما أحللتها . قال الواحديّ رحمه الله : التبتيك : ههنا ، هو قطع آذان البحيرة ، بإجماع المفسرين ، وذلك أنهم يشقون آذان الناقة إذا ولدت خمسة أبطن ، وجاء الخامس ذكراً ثم تسيَّب وحرموا على أنفسهم الانتفاع بها ، فأعفوا ظهرها من الركوب والحمل والذبح ، ولا يردّونها عن ماء ولا مرعى ، وإذا لقيها المعيى المنقطع به لم يركبها ، وسوّل لهم إبليس أن هذا قربة ، وهي البحيرة . قال ابن سيده : بَحَرَ الناقةَ والشاة يبحرها : شق أذنها بنصفين ، وقل بنصفين طولاً { وَلأَمُرَنَّهُمْ فَلَيُغَيِّرُنَّ خَلْقَ ٱللَّهِ } أي : دين الله عز وجل ، رواه ابن أبي حاتم عن ابن عباس وكثيرين ، وهذا كقوله تعالى : { فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفاً فِطْرَتَ ٱللَّهِ ٱلَّتِي فَطَرَ ٱلنَّاسَ عَلَيْهَا لاَ تَبْدِيلَ لِخَلْقِ ٱللَّهِ } [ الروم : 30 ] على قول من جعل ذلك أمراً ، أي : لا تبدلوا فطرة الله ، ودعوا الناس على فطرتهم ، كما ثبت في الصحيحين عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " كل مولود يولد على الفطرة ، فأبواه يهودانه أو ينصرانه أو يمجسانه ، كما تولد البهيمة بهيمة جمعاء ، هل تجدون بها من جدعاء ؟ " وفي صحيح مسلم عن عياض بن حمار قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " قال الله عز وجل : إني خلقت عبادي حنفاء فجاءتهم الشياطين فاجتالتهم عن دينهم وحرمت عليهم ما أحللتُ لهم " . وروى الإمام أحمد والشيخان عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " رأيت عمرو بن عامر الخزاعيّ يجر قُصْبَه في النار ، وكان أول من سيَّب السوائب وبَحَرَ البحيرة " . وروى الطبرانيّ عن ابن عباس مرفوعاً : " أول من غير دين إبراهيم عمرو بن لحي بن قمعة بن خندف ، أبو خزاعة " . وأخرج عبد بن حميد عن ابن عباس : أنه عنى بالآية : خصي الدواب ، وقال أنس : منه الخصا . وقد روى ابن عساكر عن ابن عمر قال : نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الإخصاء . ورواه الإمام أحمد أيضاً عنه بلفظ : نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن خصاء الخيل والبهائم . وروى الطبرانيّ عن ابن مسعود : نهى النبيّ صلى الله عليه وسلم أن يُخصى أحد من ولد آدم . وروى البيهقي عن ابن عباس : نهى النبيّ صلى الله عليه وسلم عن صبر الروح وخصاء البهائم . وقال الحسن : عني بالآية الوشم ( بالشين المعجمة ) أخرجه ابن أبي حاتم . روى الإمام أحمد عن أبي هريرة : نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الوشم . وفي الصحيح عن ابن مسعود : " لعن الله الواشمات والمستوشمات والنامصات والمتنمصات والمتفلجات للحس ، المغيَّرات خلق الله عز وجل " ثم قال : ألا ألْعَنْ من لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو في كتاب الله عز وجل يعني قوله : { وَمَآ آتَاكُمُ ٱلرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَٱنتَهُواْ } [ الحشر : 7 ] . قال السيوطيّ في ( الإكليل ) : فيستدل بالآية على تحريم الخصاء والوشم وما يجري مجراه ، من الوصل في الشعر ، والتفلج ، وهو تفريق الأسنان ، والتنميص ، وهو نتف الشعر في الوجه . انتهى . قال بعض الزيدية : ويلحق بالوشر ما يفعل في الخد من الشرط للزينة ، وحكى الزجاج عن بعضهم ، في معنى الآية : إن الله تعالى خلق الأنعام ليركبوها ويأكلوها ، فحرموها على أنفسهم كالبحائر والسوائب والوصائل ، وخلق الشمس والقمر والنجوم مسخرة للناس ينتفعون بها ، فعبدها المشركون فغيروا خلق الله ، ولا يخفى أن عموم الآية يصدق على جميع المعاني إذ كلها من تغيير خلق الله ، فلا مانع من حمل الآية عليها . قال البيضاويّ : قوله : { فَلَيُغَيِّرُنَّ خَلْقَ ٱللَّهِ } أي : عن وجهه وصورته ، أو صفته ، ويندرج فيه ما قيل من فقء عين الحامي ، وخصاء العبيد ، والوشم والوشر ، واللواط ، والسحق ، ونحو ذلك ، وعبادة الشمس والقمر ، وتغيير فطرة الله تعالى التي هي الإسلام ، واستعمال الجوارح والقوى فيما لا يعود على النفس كمالاً ، ولا يوجب لها من الله سبحانه وتعالى زلفى . انتهى . وهذه الجمل المحكية عن اللعين مما نطق به لسانه مقالاً أو حالاً ، وما فيها من ( اللامات ) كلها للقسم ، والمأمور به في الموضعين محذوف ، ثقةً بدلالة النظم عليه ، ثم حذر تعالى عن متابعته فقال : { وَمَن يَتَّخِذِ ٱلشَّيْطَٰنَ وَلِيّاً مِّن دُونِ ٱللَّهِ } بإيثار ما يدعو إليه ، مجاوزاً ولاية الله ، بترك ما يدعو إليه { فَقَدْ خَسِرَ خُسْرَاناً مُّبِيناً } أي : بيناً لمصيره إلى النار المؤبدة عليه .